رفقاً بالقضية الفلسطينية

بقلم: 

 

تفرض الحالة القائمة الآن في مصر وفي عدد من أقطار الوطن العربي الوقوف الجاد والمسؤول تجاه التداعيات التي يشهدها الواقع الفلسطيني، وفي غزة ومحيطها خاصة، وما يمكن أن تسفر عنه هذه التداعيات من مواقف تمس القضية الفلسطينية في الصميم، من إثبات الثابت القول إن العلاقة بين كل من مصر وفلسطين بحكم التداخل الجغرافي والتاريخي كانت الأعمق والأوثق وشكّلت في أكثر من منعطف زمني حالة فريدة في التوحد والائتلاف والرؤية المشتركة، كما أن الشعور السائد في أوساط المواطنين المصريين على اختلاف انتماءاتهم يؤكد أهمية هذه العلاقة، ويثبت أن الدفاع عن فلسطين هو جزء لا يتجزأ من الدفاع عن مصر، وقبل هذا التداخل والتشابك في المصالح الوطنية والسياسية بين البلدين الشقيقين الجارين يجعل من المستحيل أن يقف أحدهما في مواجهة الآخر تحت أي ظرف زماني أو مكاني .

وما الاختلاف العابر الذي يُعكّر صفاء العلاقة بين القاهرة وغزة في هذا الظرف الاستثنائي إلاّ سحابة صيف في طريقها إلى الانقشاع من دون أن تخلّف أثراً يذكر ، ومن الإنصاف القول إن مصر بحكم علاقتها التاريخية بفلسطين وبالخوف الذي ينتابها من وجود الكيان الصهيوني كانت وستبقى الدولة العربية الأكثر تضحية وشعوراً بالواجب تجاه القضية الفلسطينية، بوصفها قضيتها الأولى، وليس في مقدور أيّ كان أن يزايد على مصر وشعبها العربي العظيم الذي خاض حروباً ثلاثاً مع العدو الرابض على صدر الأرض المقدسة، ومع ذلك فإن مصر التي قدمت كل هذا الفيض الهائل من التضحيات، مطالبة اليوم بأن تواصل دورها العظيم من دون التوقف عند المواقف الاستثنائية الصغيرة التي يقفها بحماقة غير محسوبة أفراد من هذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك، فالقضية أكبر والمستقبل يتطلب قدراً من الوعي في مواجهة التمادي الصهيوني الذي لا يفرّق بين مصري وفلسطيني ولا بين شامي ومغربي .

من المؤكد أن مناضلي القضية الأوائل لم يكونوا يجهلون خطورة التوزّع غير المحسوب ووقوف بعضهم إلى صف هذه الدولة العربية، وبعضهم إلى جانب تلك الدولة، وما ينتج عن هذه الانحيازات من تشرذم ومواقف متباينة لا يخدم القضية في شيء، ويمكن إدراك الدور الذي لعبته بعض الأنظمة العربية في توسيع دائرة هذه الانشقاقات وتبني بعض الفصائل الموالية لها أكثر من ولائها للقضية، ولو لم يكن الشعب الفلسطيني في الداخل متماسكاً وواعياً مهمته لكان الصراع قد تحوّل إلى احتراب مستمر بين هذه الفصائل التي تعميها الخلافات الثانوية عن الخلاف الأساسي مع العدو، والمراقبون يرون أن القضية الفلسطينية التي ظلت توصف بالمركزية هي الآن في مفترق الطرق بعد الأحداث الفاجعة التي تحدث في سوريا والأحداث المؤلمة التي تحدث في مصر، وأن المسؤولية تحتم على الفصائل السياسية قراءة مستجدات الواقع بأمانة وإخلاص وصدق مع النفس أولاً ومع الوطن السليب ثانياً، ومع ما سوف يكتبه التاريخ عن هذه المرحلة ثالثاً ورابعاً .

 

المصدر: 
الخليج