الديمقراطية كما ترسمها أمريكا لفلسطين

بقلم: 

لدى الكثيرين في العالم تشكل الانتخابات العمود الفقري للديمقراطية للدولة التي تجرى بها. ولهذا تحاول بعض الدول إشراك مراقبين أجانب يشرفون على عملية الانتخابات، وأنها سارت بالطريق الصحيح ولم تحدث عمليات تزييف.

ويتطلع الكثيرون في هذه الأيام، إلى نتائج الانتخابات الفلسطينية المستقبلية، ليقرروا أنها لم تزيف، وان ديمقراطية حقيقية تسري في فلسطين. ولكن كما هو معروف فقد رفضت الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية، الموافقة على نتائج الانتخابات الفلسطينية الأخيرة، باعتبارها ‘مزيفة’، رغم وجود مراقبين أجانب، قدموا تقريرا وافيا عن الانتخابات، يؤكد أنه لم يكن هناك تزييف وتبين في ما بعد أن السبب الحقيقي وراء موقفها هذا هو فوز حركة حماس بها.

ولكن قليلون هم الذين راقبوا بحذر كبير تصرفات القيادة نفسها، ومدى سيطرتها غير الديمقراطية على الشعب والبلاد. وعندما تنتهي زوبعة الانتخابات وينتهي غبارها سيظهر الأمر مدى فشل أو نجاح الانتخابات.

فعندما خمد غبار التحركات الديمقراطية في جنوب أفريقيا ظهر بطلها الديمقراطي الحقيقي، نلسون مانديلا. وتبدد الغبار وبدأ مانديلا في تكوين البذرة الديمقراطية للدولة الجديدة. كان هذا امرا لا بدّ منه، حيث أن مانديلا قضى ربيع عمره في سجون جنوب أفريقيا، وحرم السود الذين يمثلون الأغلبية في البلاد، تحت حكم النظام العنصري من تنظيم أنفسهم، ولذلك كان مانديلا ينظم حياته السياسية ويدير الأمور سياسيا، بطرق وأساليب مختلفة، تمنع السجانين من اكتشافها ومن ثم إحباطها، ولذا نجح مانديلا في إدارة الدولة بعد إطلاق سراحه.

فالقيادة الفلسطينية لم تصل إلى مستوى مانديلا في هذا المجال، فقد جاءت هذه القيادة من تونس إلى الضفة الغربية وقطاع غزة مع سياراتها الفخمة، واثاث مكاتبها البراق، وبدأُت في ممارسة عملها وكأن أمرا لم يتغير عليها. وبدأ الحوار بينها وبين إسرائيل على مستوى ‘وزراء’، ولهذا وجد الفلسطينيون أنفسهم يعينون، وزراء معتمدين على خلفيتهم الشعبية ومواقفهم الحركية وليس على مقدرتهم السياسية أو الثقافية.

في حين كان الجانب الآخر، أي إسرائيل، قد أعد مجموعة تملك المقدرة السياسية والثقافية والدبلوماسية. وهكذا بدأ حوار غير متكافئ بين الجانبين. أضف إلى ذلك أن الجانب الفلسطيني أخذ يعتمد أكثر على الجانب الأمريكي، الذي دخل في اللعبة الشرق أوسطية، وكان واضحا أن الولايات المتحدة تخدم سياسة إسرائيل بدلا من أن تكون حيادية، وفي نفس الوقت مقنعة القيادة الفلسطينية أنها تعمل لمصلحتها أيضا، كون ان لها تجربة مع الإسرائيليين.

وأبهر بريق البيت الأبيض القيادة الفلسطينية، عندما دخلته لأول مرة، بعد أن أسقطت وزارة الخارجية الأمريكية اسم منظمة التحرير الفلسطينية من قائمة الإرهاب. وكان ثمن ذلك باهظا، حيث بدأت القيادة الفلسطينية تحت احتلال 1967 بتقديم التنازل تلو الآخر، مقابل وعود أمريكية لم ينفذ منها أي شيء. ولكن واشنطن استمرت في إيهام القيادة الفلسطينية بأنها تعمل معها على إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية. وعندما سئم الفلسطينيون من الموقف الأمريكي المتذبذب كان لا بد لهذه القيادة التوجه للأمم المتحدة لتحصل على موقف دبلوماسي دولي، وهذا ما حصل.

ولكن هذا التوجه اسقط القناع عن وجه أمريكا الحقيقي فصوتت واشنطن في الأمم المتحدة ضدّ المشروع الفلسطيني، إضافة إلى أنها لم تستطع إقناع القيادة الفلسطينية بالتراجع عن موقفها ولم يؤثر تصويتها على تصويت أغلبية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى جانب المشروع الذي تقدم به الفلسطينيون .

وفشلت أمريكا في إقناع شعوب المنطــــقة بأنها تبـــني ديمقراطية حقيقية، كما تبين بوضوح أنها تبني ديمقراطية كما تريدها هي، وليس كما تريدها شعوب المنطقة.

وظهر أيضا أن البيت الأبيض الذي يقوم على أساس ديمقراطي، يعمل جاهدا عـــــلى إحبــــاط أي مســعى تقوم به شعوب الشرق الأوسط للوصول إلى ديمقراطية حقيقية.

 

 

المصدر: 
القدس العربي