هل تتدخل حماس في مصر؟.. سوريا..

بقلم: 

حقيقة هي أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" استطاعت أن تأسر قلوب الملايين من المسلمين حول العالم، ويعود ذلك إلى نجاحها في تمثيل البعد الإسلامي السنّي المعتدل فكرياً وسياسياً وجهادياً معاً، والذي ظهر جلياً في حسن قيادتها الحكيمة للصراع الأزلي مع أعداء الأمة الإسلامية من الصهاينة، وفي صدق كوادرها والقائمين عليها الذين ارتقى الكثير منهم شهداء في معارك الدفاع عن هذه الأمة، وفي تميزها بإدارتها لقطاع غزة المحرر الذي صمدت به - رغم الحصار - أمام أقوى جيوش العالم، وفي حرصها على كامل تراب فلسطين التي بارك الله حولها وطمأننا رسوله عليه الصلاة والسلام بأن الجهاد فيها باقٍ إلى يوم القيامة .

ولكن لو تأملنا بالمشروع التحرري المقاوم الذي تحمله حركة حماس بطبيعته الإسلامية – الذي تحدثت عنه سابقاً- لوجدنا أنه لا يلائم ولا ينسجم مع المشاريع والرؤى الأخرى التي تحاول الهيمنة على المنطقة مدعومة من دول وحكومات الغرب والشرق، وحتى لو نظرنا لبعض تلك الدول - على قلتها - التي تدعم حركة حماس - وإيران نموذجاً - سنجد أن بينها وبين فكر ونهج حماس خلافات جوهرية، لا يلغيها ولا حتى يمكن أن يغطي عليها كثرة الدعم المستمر للحركة مهما عظم ..

وما يميز حماس عن غيرها من الحركات أنها حركة مؤسساتية ضخمة قائمة – بكل مستوياتها السياسية والتنظيمية والتعبوية - على مجموعة من المبادئ والقيم الثابتة والراسخة في فكرها والمستمدة من المنهج الإسلامي الأصيل، ومن هنا لا يمتلك حتى أكبر القادة السياسيين أو العسكريين فيها أن يتفردوا بقرارها ويتجاوزوا مبادئها أو حتى يلتفوا عليها .

كل هذا كان مقدمة توضيحية موجزة بسيطة حول حماس لندرك بعدها عبثية الرهانات عليها في وقت كثر فيه المراهنون، وارتفعت فيه أصوات المشككين المتربصين بها .

وعلى سبيل المثال: عندما تقول حماس بأن مبادئها تنص على أن لا تتدخل مطلقاً في الشؤون الداخلية للدول فهي ملتزمة فعلاً بما تقول، والأمثلة في مسيرتها كثيرة على ذلك وليس آخرها الشأن السوري، فقد كانت الحركة في سوريا تتمتع وتنعم بصلاحيات وحرية واسعة في العمل على مختلف المجالات لم تمنح لها مطلقاً في أي بلد آخر، كما كانت على علاقة وثيقة وقوية جداً وفي أطر تعاونية غير مسبوقة مع كل من إيران وحزب الله، ورغم كل ذلك عندما اندلعت الثورة في سوريا وبدأت الضغوطات تمارس على الحركة من كل جانب لدفعها لأعطاء المواقف أو حتى الاكتفاء فقط بتصريح واحد يدعم النظام، ويعارض الثورة رفضت الحركة ذلك بشكل قاطع، وأصرّت على مواقف وسطية واضحة تشكر بها السوريين حكومة وشعباً على ما قدموه لها، وتؤكد على أنها مع مطالب الشعوب عامة ًبالحرية، وفي ذات الوقت هي مع السياسة السورية الخارجية للبلاد الداعمة لحركات المقاومة والممانعة، ومع الحوار وصولاً إلى الإصلاح وضد التدخل الخارجي في سوريا، ثم ما لبثت أن ازدادت الضغوط من النظام وحلفائه الذين رفضوا هذا الموقف الأخلاقي للحركة، لتضطر بعدها الحركة للرحيل من أفضل ساحة عمل قدمت لها في تاريخها مرتضية بذلك خسارتها للأرض مقابل أن لا تخسر مبادئها، وأن لا تخسر الشعوب التي أحبتها وآمنت بها وبنهجها، ومع تزايد إجرام النظام السوري وحلفائه في حق السوريين والفلسطينيين في سوريا اضطرت الحركة للتصريح بمواقف إعلامية أقوى بالشأن السوري لتتحمل نتيجتها تكاليف باهظة إثر معارضتها لحلفائها الوحيدين في المنطقة، في وقت رفضت فيه بعض الدول -كالأردن مثلاً - استقبالها وصدت فيه الممالك الخليجية باستثناء قطر عن أي تواصل معها، وذلك بدلاً من احتضانها وتعويضها عن خروجها من سوريا لصالح هذه الأمة الإسلامية، وباستثناء الدعم التركي والقطري، وبعض دول الربيع العربي المنهكة بعد الثورات لم تجد الحركة من يقدم لها يد العون من دول العالم .

وبعد كل هذا نجد اليوم من يقول لنا بأن حماس نادمةً على قطعها لعلاقاتها مع النظام السوري وعلى فتور علاقاتها مع حلفائه، وأنها تسعى اليوم للعودة إلى بيت الطاعة في طهران! وذلك بعد أن سقط حكم الإخوان المسلمين في مصر إثر الانقلاب العسكري الذي أزاح أقوى حليف وجار لحماس ولحكومتها في قطاع غزة.

وهنا أذكر بما قاله القيادي في الحركة محمود الزهار - في مقابلة أجريت معه مؤخراً - رداً على سؤال حول إن كانت حماس قد خسرت حلفاءها السابقين؟، فأجاب "بأن الحركة تتعامل مع الأطراف كافة وفق مفهوم التعاون ، وخاصة الدول المؤثرة في القضية الفلسطينية مشدداً على ضرورة العناية بتعريف "التحالف"، موضحاً أن الحركة لم تعتمد يوماً في علاقتها على مبدأ المصلحة بالمطلق، بل اعتمدت على مبدأ دور تلك الدول في نصرة القضية وعدم التدخل في أي شأن عربي داخلي "..

وختاماً سنجد أنه من غير المتوقع أن تتدخل حماس في الشأن الداخلي المصري لأجل حلفائها ومصالحها ومصالحهم، وذلك بعد أن رفضت سابقاً التدخل في سوريا لأجل حلفائها ومصالحها ومصالحهم أيضاً، مع ملاحظة فارق الاختلاف الكبير وانعكاس الأمور بين الوضعين المصري والسوري، وأن مرد ذلك ليس لكونها لا تستطيع التدخل أو لأن ذلك لا يحقق مصلحتها الخاصة، على العكس تماماً.. فقوة حماس معروفة ومصالحها واضحة، ولكن الذي أهم وأوضح لدى حماس هو خط القيم والمبادئ الذي تسير عليه الحركة وتعض عليه بالنواجذ وسط كل هذا التيه الحاصل في المنطقة، وهذا ما أعتقد أنه قد تبين وظهر مؤخراً بوضوح للملايين من أبناء أمتنا الإسلامية المتابعين لحماس.

 

 

 

المصدر: 
فلسطين