إسرائيل في رمال سيناء

بقلم: 

 

في خضم الجدل السياسي في مصر على خلفية الأزمة المستمرة منذ عزل الرئيس، محمد مرسي، والترقب لموعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، جاءت الأنباء عن تعرض سيناء لغارة اسرائيلية لتعيد تسليط الضوء على واحدة من أكبر المناطق توتراً في مصر.

ففي منطقة العجراء في جنوب مدينة رفح، الملاصقة للحدود مع الكيان الاسرائيلي، وعلى مسافة تبعد كيلومترين تقريباً عن الحدود، حدث انفجار مدوٍ وتبعه بلحظات انفجار ثانٍ اختلط بأزيز محركات طائرات في الاجواء.

شهود عيان وصلوا الى الموقع المستهدف بعد لحظات، أكدوا أنه تم رصد ثلاثة صواريخ ممدة بزاوية مرتفعة على أكياس معبأة بالرمال بديلاً للمنصات الحديدية. وتحت احدى الشجيرات الصغيرة، تمدد شخصان غطتهما الدماء، وكان تمتد قربهما اسلاك تصل الصواريخ الثلاثة.

وبينما كان الاهالي، الذين هرعوا الى مكان الحادث يفتشون في المنطقة، عثروا على مسافة تصل لنحو كيلومتر تقريباً من موقع الانفجار الثاني، على جثماني شخصين قرب دراجة نارية محطمة نتيجة الانفجار.

ووفقاً لشهود عيان من الأهالي، فان القتلى الاربعة هم يسري محمد محارب، محمد حسين المنيعي، ابراهيم خلف المنيعي من قبيلة السواركة وحسين ابراهيم سالم التيهي من قبيلة التياها. وجميعهم في سن الشباب، ويصنفهم الاهالي ضمن المجموعات الجهادية التي تستهدف اسرائيل بين حين وآخر بعد ثورة 25 يناير.

وبالفعل، بعد ساعات من الانفجار، نعت جماعة "مجاهدي بيت المقدس"، في بيان أصدرته، "اربعة من مجاهديها اثر استهدافهم بطائرة صهيونية بدون طيار"، مدينة "تعاون وتواطؤ الجيش المصري مع اليهود في جريمتهم هذه". 

وأوضحت ان "خمسة من رجال انصار بيت المقدس هم الشهداء الأربعة ومعهم قائدهم وصلوا الى مكان الاطلاق المحدد، وبدأوا بنصب الصواريخ استعدادا لإطلاقها، ويقدر الله في أثناء ذلك أن يتم رصدهم جوا فقامت طائرة صهيونية بدون طيار باختراق الحدود المصرية ولمسافة تزيد عن خمسة كيلومترات واطلاق صواريخها على ابطالنا"، مشيرةً إلى نجاة قائد العملية.

وبينما حسم البيان الجهة التي تقف وراء اطلاق الصواريخ، استمر التضارب حول ما اذا كان الجيش المصري او الإسرائيلي هو من عملية قتل الجهاديين في منطقة العجراء، التي تمتاز بموقعها المرتفع نسبية عن بقية المناطق المجاورة، ما جعل منها برجاً استراتيجياً طبيعياً للاطلالة على فلسطين المحتلة والمستوطنات القريبة من الحدود.

وزاد بيان للمتحدث الرسمي باسم الجيش المصري الغموض، اذ أكد فيه أنه لا صحة لأي هجمات إسرائيلية، فضلاً عن نفيه بوجود تنسيق بين الجانبين المصري والإسرائيلي بهذا الشأن.

لكن الاهالي المتواجدين في المنطقة أوضحوا أن اتجاه انطلاق الصاروخين، اللذين أصابا الجهاديين، كان من جهة الشرق نظراً لزاوية ارتطامهما بالارض، وذلك رغم تحليق مروحية مصرية من طراز اباتشي كانت تجوب المنطقة قبل وبعد الانفجارين. ولم يؤكد اي من الشهود، رؤيته الآباتشي تطلق صواريخ نحو الارض، لتبقى الرواية المؤكدة من قبل الأهالي أن طائرة اسرائيلية من دون طيار هي التي استهدفت الجهاديين الاربعة، معتبرين أنه فنياً من الممكن أن تطلق الطائرة الاسرائيلية صواريخها نحو المنطقة وهي في الاجواء الاسرائيلية، حيث المسافة غير بعيدة عن الحدود.

وبين الرواية الأهلية وعدم شفافية الرواية الرسمية والصمت الرسمي الإسرائيلي، فإن ما جرى في منطقة العجراء جاء ليؤكد المخاوف التي أثارها بعض السياسيين حول مسألة قدرة اسرائيل على تحمل الضربات انطلاقاً من سيناء. وفي حين رجح أحد الناشطين سابقاً أن اسرائيل لن تتحمل أكثر من ثلاث عمليات تنطلق من سيناء قبل أن تمارس بنفسها الرد، من دون انتظار تدخل الجيش المصري، فإن القادة العسكريين الاسرائيليين غالباً ما صرحوا بأن "إسرائيل ستقوم بضرب بؤر ارهابية في سيناء او ستعيد احتلال شريط أمن داخلها". تضاف إلى ذلك، التصريحات الاسرائيلية الدائمة عن توسع نشاط منظمات مرتبطة بتنظيم القاعدة في سيناء، كتميهد لما هو آت من مشروعية تراها اسرائيل للدفاع عن نفسها او لاستدعاء التدخل الغربي الدولي، ولا سيما أن قاعدة جوية ضخمة موجودة باسم قوات حفظ السلام في سيناء تضم جنوداً من 13 دولة، في مقدمتها الولايات المتحدة منذ العام ١٩٧٩. كما أن العام 2005 شهد توقيع بروتوكول اضافي للاتفاقية باسم "فيلاديلفي"، يسمح بدخول قوات قليلة لحرس الحدود المصري. وسمح أيضاً للقوات الدولية برقابتة الحدود مع غزة وتكليفها بمهام ضد الارهاب.

منسق الحركة الثورية الاشتراكية في سيناء، أشرف الحفني، أكد لـ"المدن" أن كل ما يحدث وسيحدث في سيناء سيظل رهناً باتفاقية "كامب ديفيد". ولفت إلى أن اختراق سيناء من قبل الإسرائيليين، إن تأكد، لن يكون وليد اليوم. ففي عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، قام الأخير ونظامه السياسي والامني بالتغاضي عن اختراق الطائرات الحربية الاسرائيلية لاجواء سيناء اثناء قصف غزة في يناير في العام 2008 .

وفي عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، اخترقت الحدود المصرية، عندما اجتاز اربعة ضباط استخبارات اسرائيليين الحدود لمسافة 15 كيلومتراً عند قرية خريزة بوسط سيناء، لاغتيال جهادي من سكان المنطقة بزرع عبوة ناسفة في دراجته النارية حولته لاشلاء، دون أن يتخذ مرسي موقفاً رسمياً ضد ذلك الاختراق.

كما ان اسرائيل اخترقت الحدود في آب/ اغسطس 2011، في فترة حكم المجلس العسكري، وقامت بقصف خمسة افراد من الشرطة قرب نقطة حراستهم بمنطقة الكونتيلا بوسط سيناء اثناء ملاحقة مجموعة جهادية استهدفت مدينة ايلات. وهي المرة الوحيدة التي شهدت اعتذاراً اسرائيلياً واضحاً. يومها اندلعت التظاهرات أمام السفارة الاسرائيلية التي شهدت تسلق أحد الثوار مبنى السفارة وانزال العلم الاسرائيلي من فوقها، لأول مرة منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، فضلاً عن إلقاء أوراق السفارة من الشرفات وفرار السفير وأعضاء سفارته الى تل ابيب.

أما اليوم، وبعد هذه الحادثة التي دخلت في بازار التجاذبات السياسية بعد مسارعة مؤيدي مرسي إلى استغلال الحادثة للتصويب على الجيش المصري، تتجه الأنظار إلى النظام الحالي وقادة المرحلة الانتقالية لمعرفة ما عساهم يقدمون لضمان امن اسرائيل، في ظل ضغوط اميركية علنية وانقسام شعبي بين مؤيد للنظام الجديد ومؤيد للنظام السابق، بخلاف مأزق الهجمات المسلحة التي تطال الجيش والشرطة في شمال سيناء على مدار شبه يومي.

المصدر: 
المدن