ما وراء جهود التسوية

بقلم: 

لماذا الآن؟ للمرء أن يسأل، ففي الوقت الذي يتمزق فيه العالم العربي، وفي الوقت الذي ينشغل فيه أوباما في شؤون داخلية عاجلة، لماذا يراهن "كيري" على مسعى آخر لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟

ومع الأخذ في الاعتبار عدد المرات التي فشلت فيها جهود السلام على مدى العقود الأربعة الماضية، لماذا يحدد "كيري" هدفاً للتوصل إلى اتفاق شامل للسلام في تسعة شهور- وهو - لو قلنا الأمر برفق- مستحيل عشية "الربيع العربي" بخاصة؟

وسيجادل المتشائمون إنه مع ضعف التأثير الأميركي في سوريا ومصر وفي مناطق أخرى في المنطقة، قد تكون هذه القضية هي الوحيدة التي ما زالت واشنطن لها نفوذ فيها. لكن هذا لا يشرح الزخم الذي تابع به "كيري" قضية قد لا تجلب عليه إلا الأسى.

والتفسير قصير الأمد الذي قدمه بعض مسؤولي الإدارة لحملته هو أن الفشل في تجديد المحادثات سيضمن أن يجدد الفلسطينيون الضغط للحصول على الاعتراف من الأمم المتحدة وفي منظمات دولية أخرى.

وقد ترد إسرائيل بقطع تمويلها عن السلطة الفلسطينية. وسيقلص هذا في المقابل تعاوناً أمنياً مهماً بين المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة الغربية. وقد يزيد هذا التقهقر العزلة الدولية لإسرائيل التي أدى إليها بالفعل بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.

وحظر الاتحاد الأوروبي الواردات الإسرائيلية التي ينتجها مستوطنو الضفة الغربية، وقد تدفع معركة الأمم المتحدة الأوروبيين إلى تقليص الاستثمارات أكثر.

قد يفسر خوف إسرائيل هذا من عزلة أكبر قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي دخول المحادثات التي قد تقلص الضغط الأوروبي.

وإذا نظر المرء إلى تصريحات "كيري"، فسيجد أنه يفكر في المدى الطويل بشكل أكبر فيما يبدو. وقال مراراً إنه يعتقد أن نافذة حل الدولتين على وشك أن تغلق مع عواقب مأساوية لإسرائيل وتأثير سلبي على مصالح الأمن الأميركي أيضاً.

وقال "كيري" للجالية الأميركية اليهودية في يونيو الماضي: "الوقت ينفد منا.. إذا لم ننجح الآن فقد لا يكون أمامنا فرصة أخرى".

وكيري محق. وهنا السبب: أولا، يتزايد دوماً عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، حيث يعيش هناك ما إجماليه 360 ألف شخص إضافة إلى 300 ألف في القدس التي يريدها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم. وفي السنوات القليلة المقبلة، مع المزيد من توسيع المستوطنات وجماعة ضغط أقوى للمستوطنين، سيكون من المستحيل سياسياً فصل الضفة الغربية عن إسرائيل دون حرب أهلية.

ثانياً، قد يصبح الرئيس الشرفي لمنظمة التحرير الفلسطينية، محمود عباس آخر زعيم فلسطيني يتمتع بمشروعية لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل. لكنه متعب وفقد بالفعل السيطرة على غزة لصالح "حماس"، وبعد عام أو اثنين من الآن من المحتمل ألا يبقى في موقع المسؤولية.

ثالثاً، الزعماء العرب الذين سيحتاج عباس دعمهم للتوقيع على اتفاق، مهددين أو قضى عليهم "الربيع العربي"، والدول الكبيرة الثلاث التي يحتاج عباس إلى دعمها الرسمي واقعة في حالة من عدم اليقين.

ولذا فـ"كيري" محق في أن النافذة الآن لاتفاق سلام تغلق، لكن العوامل نفسها التي ستستبعد التوصل لاتفاق بعد عامين تعرقل، من ثم، اتفاقاً الآن. وعباس ضعيف للغاية بالفعل وتمزق العالم العربي يحول دون دعمه.

وحتى لو كان نتنياهو يميل إلى مواجهة المستوطنين ويعيد معظم الضفة الغربية والقدس الشرقية (وهو ما لم يبد أي مصلحة في فعله) فإن التشنجات في العالم العربي ستجعله يتردد.

ويعلم "كيري" أن سياسة الأمر الواقع غير مستدامة، وأن الفشل في إقامة دولتين يعني أن الإسرائيليين والفلسطينيين سيعيشون قريباً في دولة واحدة يتفوق فيها العرب على اليهود عدداً.

ترودي روبن

محللة سياسية أميركية

المصدر: 
"إم. سي. تي . إنترناشونيال"