فلسطينيو النقب: عين تقاوم المخرز

بقلم: 

لا يوجد في العنوان أعلاه أي مبالغات لفظية، ولا مجازات لغوية، بل فيه من الواقع والواقعية والوقائع؛ ما يؤكد ويعلن بوضوح عن مأساة إنسانية، ما فتئت تتواصل منذ أن وقع الاحتلال الصهيوني على فلسطين عام 1948 وقع المصيبة والزلازل والنكبات والتشريد. ومن يومها فإن النوازل الصهيونية مستمرة في الاستيلاء والتفتيت والتقطيع للأرض والينابيع، وذبحا للأشجار واقتلاعها، وتشتيتا وطردا للسكان في المناطق الفلسطينية كلها، بما في ذلك المناطق التي احتلت عام 1967، أي في القدس الشرقية والضفة الغربية.

وبما أن الاحتلال يتدرج مرحليا في المصادرة والاستحواذ والبلع والهضم، فإن مخططاته الاستحواذية تركز وتوجه نوازلها في المرحلة الأخيرة إلى منطقة القدس والضفة ومنطقة الأغوار والنقب، حيث تبلغ مساحة هذه المنطقة الأخيرة نحو نصف مساحة فلسطين بكاملها، ويبلغ عدد سكانها من العرب حاليا نحو 250 ألف نسمة، وأغلب القرى فيها غير معترف بها من قبل السلطات الرسمية، وذلك على الرغم من حمل سكانها هويات الدولة المحتلة منذ أيام الاحتلال الأول. إلا أن الدولة لا تقدم للسكان أي خدمات تتعلق بالبنى التحتية الأساسية المعروفة من طرق ومساكن ومدارس وكهرباء ومياه وخدمات ومجار صحية وغيرها، بل هي ما زالت منذ احتلالها تطارد السكان وتهدم البيوت البسيطة، وغالبيتها من بيوت الشعر والزينكو والتنك. وتطاردهم مع مواشيهم في مناطق عديدة من النقب، وتمنعهم من ارتياد بعض المناطق بحجج وذرائع كثيرة؛ من بينها أن الأراضي هي من أملاك الدولة الرسمية ّ أو ان بعضها الآخر يحتوي على مساحات للتدريبات العسكرية، أو أقيمت عليه منشآت عسكرية ومطارات ومصانع ومؤسسات لا يجوز أن يطلع عليها الفلسطينيون.

وحتى نعرف معاني الإجرام وحروب الإفناء على حقيقتها، وندرك ماهية وتطبيقات عنوان المقال، فإننا يمكن أن نذكر بأن الشرطة والجرافات الإسرائيلية كانت قد أزالت قرية العراقيب النقبية من الوجود نحو 50 مرة في العامين الأخيرين. وفي كل مرة فإن طائر الفينيق الفلسطيني كان ينتفض من رماد دماره ويعاود البناء والإعمار مباشرة بعد مغادرة قوى الدمار والهدم، وربما أثناء وجودها. وحجة الصهاينة دائما أن القرية مقامة على أراضي دولة، وأن بيوتها مبنية بلا تصاريح رسمية! علما أن الأراضي والمراعي المحيطة بها ما هي إلا من أملاك السكان أبا عن جد.. وما زالت المطاردات والهدم والتدمير ومحاولات حصر السكان الفلسطينيين في معازل تتوالى فصولا مأساوية.

وكي تستولي السلطات الصهيونية رسميا على أكبر مساحة من أراضي النقب، فقد سعت في سبعينات القرن الماضي إلى بناء سبع قرى بائسة، حشرت فيها بعض الفلسطينيين، وهي توالي جهودها لبناء بلدة واسعة وكبيرة أطلقت عليها اسم "النويعمة" كي تحجز فيها آلاف أخرى من الفلسطينيون، لم يرض عن بنائها لا الفلسطينيين، ولا المستوطنون الذين اتهموا السلطات بأنها "تتبرع" من "أرض إسرائيل" لتمنحها للفلسطينيين.!

آخر مشاريع السلطات الرسمية الإسرائيلية للاستحواذ على أراضي منطقة النقب، تمثل في طرح مشروع في الكنيست الإسرائيلي، في محاولة لإقراره نهاية الشهر الماضي، حمل اسميّ "برافر بيغن" اللذين وضعا المشروع، ونص على مصادرة نحو 850 ألف دونم من أراضي النقب، وتهجير أكثر من أربعين ألف فلسطيني يقيمون في نحو 36 قرية. وتعتبر هذه القرى "غير شرعية" بحسب السلطات الرسمية الإسرائيلية؛ إلا أن القانون أو المشروع الذي أقر في القراءة الأولى في الكنيست، لم يبحث في مصير سكان القرى التي سيتم تهجيرهم منها.

وقد علق النائب العربي في الكنيست جمال زحالقة بالقول "إن القانون غير منصف وغير عادل وغير إنساني، وهو بمثابة إعلان حرب على المواطنين العرب، وهو ليس اقتراح قانون، بل اقتراح خنق". كما علق النائب محمد بركة أيضا بالقول "أن هذا القانون يهدف عمليا إلى تنفيذ (طرد جماعي) تتجلى من خلاله ذروة العنصرية الإسرائيلية".

كما وذكر حسين رفايعة رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب قائلا: "إن وزارة الداخلية الإسرائيلية تقدر عدد البيوت المرشحة للهدم بنحو 42 ألف بيت في الوسط العربي بالنقب وحده، علما أن هذه البيوت تأوي نحو 85 ألف نسمة من العرب".

كما إن طلب الصانع رئيس اللجنة العليا لفلسطينيي النقب، والنائب السابق، علق بالقول أن "الجديد في المخطط، أنه يتم بقوة القانون، أي عملية تطهير عرقي بقوة القانون، و(ترانسفير) من قبل حكومة إسرائيلية عنصرية ضد مواطنين يحملون هويتها، وهذا انتهاك صارخ لكل القوانين والمواثيق التي تعنى بحقوق الإنسان، وخاصة حقه في التملك والسكن". وكانت المصادرات والطرد والتدمير والمضايقات تتم قبل سن قانون ضد سكان النقب من الفلسطينيين، فكيف سيكون الأمر بعد الموافقة بالقراءة الثانية ثم الثالثة والأخيرة، واعتماده في الكنيست الإسرائيلي؟.إن العين تقاوم المخرز فعلا وحقا وحقيقة.