"حماس"في مرمى النار

بقلم: 

كان العنوان الرئيسي في "بي. بي. سي" يقول كل شيء: "أزمة مصر: مرسي متهم بالتآمر مع حماس". وبعبارات أخرى، فإنه في نفس الوقت الذي يعتقد فيه المرء بأن الأشياء لا يمكن أن تصبح أسوأ بالنسبة حماس، يتبين أنها يمكن أن تفعل في الحقيقة.

جرى اعتقال الرئيس المصري السابق محمد مرسي على خلفية مجموعة متنوعة من التهم، والتي تتصل أساساً بجرائم مزعومة تتعلق بالتواطؤ مع حماس. وتشمل التهم شن هجمات على سجون مختلفة، بما في ذلك عملية الهروب من السجن في العام 2011، والتي كان مرسي أحد الهاربين فيها. ويُتهم مرسي على وجه التحديد بالتعاون مع حماس "للقيام بأعمال معادية للدولة، ومهاجمة مراكز الشرطة وضباط الجيش، واقتحام السجون، وإشعال النار في أحدها وتمكين السجناء من الفرار، بمن فيهم هو نفسه، فضلاً عن قتل ضباط وجنود وسجناء مع سبق الإصرار." وهي قضية تدير الرأس على أقل تقدير.

كنت قد أوضحت في هذا المكان كيف أن الجيش، والحكومة ونسبة كبيرة من السكان، ينظرون إلى حماس كجزء مكمل لا يتجزأ من أزمة أمنية واسعة النطاق. ويشتمل ذلك على التمرد المستمر والكثيف الذي يخوضه النشطاء "الجهاديون" في شبه جزيرة سيناء التي ما تزال أوضاعها في تدهور مستمر. ويسود اعتقاد واسع النطاق بأن لحماس علاقة تعاونية مع هؤلاء المتطرفين، وعلى حساب الأمن القومي المصري، ويقال أن نحو 35 عنصراً من مقاتليها قتلوا عندما بدأ الهجوم المصري المعاكس في سيناء قبل نحو أسبوعين.

أفضى انفجار تمرد سيناء بغضب لا مثيل له مباشرة عقب الإطاحة بمرسي إلى تغذية الشكوك الكثيفة لدى الكثير من المصريين بأن الرئيس السابق كان قد منح المتطرفين "يداً طليقة" في سيناء، وبأن حماس كانت متورطة بعمق في تأجيج هذه الأزمة. وتواجه السلطات المصرية معركة على جبهتين، تضمان أنصار الإخوان المسلمين وخصومهم في الاحتجاجات المتعارضة واشتباكات الشوارع، بالإضافة إلى تمرد سيناء. وقد تضاعف الحس بالخطر في أعقاب هجوم تفجيري ضد مقر الشرطة في مدينة المنصورة يوم الأربعاء الماضي، وأسفر عن مقتل جندي وجرح 28 آخرين. وتكمن أسباب القلق في أن العنف المنسق والمسلح ضد الحكومة يبدو في حالة انتشار من سيناء الواقعة على الأطراف إلى أجزاء أكثر مركزية في مصر، وأن مثل هذا العنف يوازي على الأقل، أو يتداخل في أسوأ الأحوال، مع الاضطرابات التي يثيرها أنصار الإخوان المسلمين الغاضبون.

وبالإضافة إلى ذلك، عملت التقارير التي تفيد بأن مسؤولي الجماعة طمأنوا المسؤولين المحليين إلى أن الهجمات في سيناء ستتوقف في حال أعيد تنصيب مرسي رئيساً، على تعزيز الفكرة القائلة بأن هناك صلة أيديولوجية، بل وعملياتية في الحقيقة بين جماعة الإخوان وبين متطرفي سيناء. وقد أعلن القائد العام للجيش المصري الفريق عبد الفتاح السيسي "حرباً على الإرهاب،" وهو ما يبدو تعريفاً جامعاً نوعاً ما، والذي يشمل احتجاجات الإخوان المسلمين العنيفة وتظاهراتهم، والهجمات مثل تفجير مركز الشرطة في المنصورة، وأعمال العنف التي يقوم بها المتطرفون في سيناء. ومن وجهة نظر الدولة المصرية، على الأقل، والكثير من المجتمع، فإن هذه الأحداث ليست مجرد أزمات متوازية، وإنما هي متصلة ومتداخلة.

ضمن هذه الدوامة بالتحديد، سمحت حماس لنفسها -وبالتالي لسكان غزة الذين عانوا طويلاً وما يزالون يعانون- بالانجرار إلى الأزمة كعنصر أساسي. وقد أصبحت الحركة تشكل هدفاً ثانوياً حاسماً على الأقل لكل أمن السلطات المصرية وتدابير مكافحة الإرهاب على حد سواء. وقد تم تدمير معظم أنفاق التهريب إلى غزة. بينما المعبر الحدودي مع مصر مغلق أصلاً. كما أن نقص الوقود والمواد الغذائية ومواد البناء واللوازم الطبية وغيرها، وجميع السلع الضرورية، بات يصل إلى مستوى الأزمة في غزة. وفي أحدث إجراء عقابي من السلطات المصرية، مُنِع صيادو غزة لأول مرة من دخول المياه الإقليمية المصرية، في خطوة مرتبطة بوضوح بتكاثف التوترات مع حماس، والمؤطرة بطبيعة الحال بمسألة "الأمن القومي".

ولكن، وبدلاً من إعادة تقييم سياساتها، أو إعادة توضيع نفسها نظراً للأزمة المريعة التي تعيشها والتي يواجهها الفلسطينيون الذين يعيشون تحت حكمها، يبدو أن حماس قررت لسبب غير مفهوم مضاعفة الرهان على علاقتها بالإخوان المسلمين بشكل عام، ومرسي على وجه الخصوص.

تفهم حماس جيداً أن التهم الموجهة إلى مرسي تتركز بالكامل تقريباً حول علاقتها معه. وبطبيعة الحال، فإنها تنكر بشدة أي تورط لها في حادثة الهروب من السجن في العام 2011 أو أي شكل آخر من أشكال "التدخل" في الشؤون المصرية الداخلية، بما في ذلك في سيناء. لكن المشكلة هي أن هناك قدراً هائلاً من كل من الأدلة المباشرة والظرفية على عكس ذلك.

ولكن، وفيما يدعو للدهشة، وبدلاً من النأي بأنفسهم عن الأزمة، كثف قادة حماس من مشاركتها فيها. وقال متحدث باسم حماس في الواقع، رداً على التهم الموجهة ضد مرسي: "إن حماس تدين هذه الخطوة لأنها مبنية على أساس أن حماس هي حركة معادية" لمصر. وكأن ذلك لم يكن استفزازياً بما يكفي، مضى المتحدث إلى القول: "وهذا تطور خطير، والذي يؤكد على أن السلطات الحالية في مصر تتخلى عن القضايا الوطنية، بل وحتى تقوم باستخدام هذه القضايا للتعامل مع أطراف أخرى -وأولها القضية الفلسطينية".

وهكذا، وبدلاً من محاولة التكيف مع الوضع الجديد، والبحث عن سبل لتهدئة التوترات مع الحكومة والجيش المصريين، وتخفيف حدة الأزمة السياسية التي تواجهها حماس كحركة، ناهيك عن الأزمة الإنسانية والاقتصادية التي يواجهها أهل غزة كمواطنين، قرر قادة حماس أن أفضل تحرك في المرحلة الحالية هو تعزيز ارتباطهم بمرسي واتخاذ موقف عدائي ومحارب تجاه الحكومة المصرية الجديدة.

ربما يكون ذلك متسقاً، على المستوى الأيديولوجيا، لكن هذا النهج غير مفهوم من الناحية الاستراتيجية. ولا يمكن أن يؤدي إلا إلى زيادة تعميق أزمة حماس التي لا تني تتكاثف بلا هوادة منذ سقوط مرسي.

الآن، تلعب السلطات المصرية الجديدة لعبة "الغماية" مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية. وكان الإخوان يأملون في حشد الغضب الشعبي ضد الجيش ويروجون رواية "اغتصاب الشرعية" المبنية على أساس انتخابات ديمقراطية بشكل غير القانوني، مدعوماً بارتكاب "مجازر" ضد المتظاهرين الإسلاميين السلميين. وحتى الآن، هناك كل الدلائل على أن القدر الأكبر من الجمهور المصري لا يشتري ذلك على الإطلاق.

من الممكن أن تذهب الحكومة شوطاً بعيداً مع الحملة المكثفة التي تشنها على قيادة الإخوان. لكن لا يبدو أن ذلك قد حدث حتى الآن. ولأنهم يرتبطون في ذهن الجمهور بتفجير مركز شرطة المنصورة، سواء كان ذلك الربط عادلاً أو غير ذلك، ومع أعمال الشغب والاضطرابات، تبدو مصداقية الإخوان الشعبية أنها تنحسر أكثر من أي وقت مضى. وربما تكون الخطابة الساخنة حول "الشهادة" و"الحرب الأهلية" من مثيري القلاقل من جماعة الإخوان مادة لذيذة لكوادرهم ومرتباتهم، لكنها تنفّر، بل وتروّع الغالبية العظمى من المصريين في واقع الحال.

ولكن، حتى لو عمد الجيش والحكومة إلى تشديد هجمتهم بشن حملة ضد الإخوان وغيرهم، فإن بناء سيناريو يعود فيه الإخوان المسلمون إلى احتلال مركز في سلطة الحكومة المصرية يبدو أمراً غير قابل للتصور في أي وقت في المستقبل المنظور. إن خسارة الجيش ليست مكسباً للإخوان بالضرورة. وقد ينتهي المطاف بهما وقد فقدا مصداقيتهما بشدة لدى الرأي العام، لكن الجيش والحكومة يظلان في موقف أقوى بكثير، على الأقل على المدى المتوسط، وفي الواقع، في المستقبل المنظور.

سوف يكون من المدهش معرفة ما يدور في رؤوس قادة حماس الذين يبدو أنهم يبذلون جهودهم للتأكد من احتلال الحركة مكاناً مرتفعاً في قائمة أهداف حرب مصر الجديدة "على الإرهاب". وبما أنهم اليوم في مركز التهم التي قررت السلطات رفعها ضد مرسي، خاصة بالنظر إلى وجود العديد من الاتهامات المحتملة الأخرى التي كان يمكن تقديمها ضده، فإن ذلك يضعهم في حالة إشعار واضح بأنهم في مرمى النار إلى حد كبير. ومع ذلك، فإنهم لا يبدون مهتمين بالعثور على وسيلة لجعل أنفسهم، أو الناس في غزة، خارج علامة التصويب. وإنما على العكس من ذلك، يبدو أن موقفهم الحالي "يضعهم فيها".

هذا موقف يصعب فهمه. ولأنهم هم المسؤولون المباشرون عن عيش سكان غزة، فإنه موقف غير مسؤول أيضاً، وبدرجة لا تغتفر..

المصدر: 
ذا ديلي بيست