«حماس».. من المغضوب عليهم إلى الضالين

بقلم: 

 

حركة «حماس» بصدد إعادة جدولة أولوياتها على أساس المقاومة إلى جانب إيران و«حزب الله». المسألة، إن تمت وفق ما هو متوقع، ستكون لها انعكاسات على أكثر من صعيد في المنطقة، بما يؤدي إلى إعادة تعويم مشروع المقاومة بمعزل من صخب «الربيع» العربي. لكن، في هذا الخضم، يبقى السؤال قائما عن ظروف ودوافع التحول الحمساوي، وعن العلاقة بين دمشق والحركة، في ظل هذا التحول، بعدما ذهبت هذه الاخيرة بعيدا في خصومتها مع النظام السوري؟

يرى بعض أنصار المقاومة ضرورة في إيصاد الأبواب أمام عودة حركة «حماس» إلى حاضنة إيران و«حزب الله». ويطالب هؤلاء بإبقائها في خانة المغضوب عليهم وعدم قبولها تحت غطاء توبة الضالين.البعض رفع الصوت عاليا، فذهب إلى حد القول بأنه لا يحق لإيران إعطاء شهادات بالمقاومة، متهما إياها بأنها ما زالت أسيرة شعار لا شرقية ولا غربية ما يفرض عليها لملمة «حماس» من جديد، خدمة للمشروع الإسلامي العالمي.البعض الآخر ذهب إلى اتهام «حزب الله» بالتملق للإسلام السياسي السني، معتبرا الأمر نقطة الضعف التي لا يستطيع الحزب الخروج منها!

على الأرجح إن عودة الحركة «الضالة» جاءت خطوة اضطرارية ولم تكن خيارا إراديا، بعدما سقطت رهاناتها في مصر وقطر، وفي ظل عوائق عديدة تحول دون صلاحية وكفاية الموقعين التركي والسعودي، ليكونا حاضنين إقليميين لها. غير أن الحقيقة التي لا يمكن التغاضي عنها هي أن عودة «حماس»، في الحسابات الإيرانية و«الحزب اللهية»، تتجاوز الاستحباب إلى الوجوب، وتتخطى القبول الفاتر إلى الترحيب الحار. الحسابات هذه تنطلق من اعتبارات عديدة أهمها: إعادة محورة القضية الفلسطينية وتعويم خيار المقاومة، إخراج «حماس» من المحور المقابل ومن مستنقع «الربيع العربي»، تعزيز الوحدة الإسلامية والتخفيف من حدة الفتنة المذهبية، التنسيق لقطع الطريق على المساعي الأميركية الجديّة لإعادة إحياء مسارالتسوية في فلسطين.

و يبدو أن الرغبة المتبادلة بين «حماس» من جهة و«حزب الله» وإيران من جهة ثانية بعودة العلاقات بينهما إلى طبيعتها، توازيها رغبة متبادلة بين «حماس» ودمشق للذهاب بالقطيعة نحو النهاية. فالحركة ما زالت ترى ان جوهر ما يحصل في سوريا حراك شعبي ضد نظام مستبد. النظام السوري، بالمقابل، لن يغفر لها نكرانها للجميل ودخولها طرفا ضده إلى جانب الجماعات المسلحة. حتى ان دمشق انفتحت على تحالفات فلسطينية جديدة مخالفة تماما لتبنيها السابق لحركة «حماس»، وبالتالي لا بدّ من التوقف عند إرسال الرئيس الفلسطيني وفدا رباعيا باسم منظمة التحرير الفلسطينية الى سوريا حاملا مبادرة لإنهاء أزمة مخيم اليرموك سلميا لا عسكريا.

في الأساس، لم تذهب جهود «حزب الله» وإيران باتجاه كسر القطيعة بين الجانبين السوري والحمساوي. الفرصة أصلا غير متوفرة لكي يصلح العطار ما أفسد الدهر بينهما. غير أن ثمة معلومات أفادت بأن الحزب وطهران استطاعا التفاهم مع «حماس» على نقطتين: المضي بخيار المقاومة، وحياد الحركة الفعلي إزاء الأزمة السورية. وهذا هو الحد الأدنى المتاح.

يقتضي الإنصاف اعتبار خروج «حماس» من محور المقاومة خطيئة فادحة. كما تقتضي المصلحة اعتبار عودتها إليه ضرورة للقضية الفلسطينية والأطراف الحاملة للوائها. ومهما يكن، فإن تجربة التحاق حركة «حماس» بركب «الربيع العربي» أفضت إلى حقيقة أن المقاومة، أي مقاومة، لا يمكنها أن تضع إلى جانب التحرير أولوية أخرى، حتى لو كانت هذه الأولوية مرتبطة بحرية الشعوب. لقد اخطأت الحركة عندما حاولت الجمع بين الأولويتين.

المصدر: 
السفير