الشيف أنديك وطبخة البحص!

بقلم: 

لا يمكن ان تنمو التسوية في الشرق الاوسط كما تنمو نبتة الفطر في الاقبية والظلام، لهذا اسارع الى القول ان الابواب التي اقفلت في واشنطن على استئناف المفاوضات بين الاسرائيليين والفلسطينيين لا تخفي وراءها سوى طبخة بحص، انه البحص عينه الذي تضعه واشنطن على النار منذ ربع قرن ولكن ليس من أكل غير مضي العدو الاسرائيلي في قضم اراضي الفلسطينيين تدميراً للتسوية السلمية!

يعرف محمود عباس هذا جيداً، ولكنه يقف وسط ظروف عربية تنحدر الى مزيد من الضعف والتفكك، وتتركه عارياً امام الهجوم الديبلوماسي الذي شنته ادارة باراك اوباما، فقد جاء جون كيري الى المنطقة ست مرات في محاولة واضحة لتغطية فشل الاستراتيجيا الاميركية حيال "الربيع العربي" بالضغط لاستئناف المفاوضات، ولكن عباس الذي لا يريد ان يتحمل غداً تهمة افشال المفاوضات لا يمانع في نفخ النار تحت طنجرة البحص!

عندما يقول شمعون بيريس انه متفائل وان المفاوضات لها هدف واضح هو "وجود دولة يهودية اسمها اسرائيل ودولة فلسطينية"، فذلك يعني ان على فلسطينيي 1948 ان يستعدوا لترانسفير جديد، ولكي تكتمل دائرة المسخرة يمكنني القول اذا كانت اسرائيل ستطلق الآن سجناء الأبد الـ 104 على اربع دفعات بالتزامن مع بدء المفاوضات، فانها ستلقي غداً بفلسطينيي الداخل الى الضفة الغربية او ما تبقى منها!

ليس واضحاً ماذا أعد المستر كيري لمسائل شائكة مثل القدس الشرقية التي يصر الفلسطينيون على ان تكون عاصمتهم بينما تمضي اسرائيل في نهشها استيطاناً، ومثل حق العودة لخمسة ملايين فلسطيني بينما يرتفع خطر حقيقي هو التهجير من "الدولة اليهودية"، ومثل مصير المستوطنات على اراضي الفلسطينيين وحدود الدولة الفلسطينية، ولكن الواضح جداً ان الاشهر التسعة التي حددت للمفاوضات وراء ابواب مغلقة، تهدف عملياً الى محاولة تطويق السلطة الفلسطينية لمنعها بعدما اكتسبت شرعية الدولة، من ان تطالب الجمعية العمومية للامم المتحدة في ايلول المقبل، باتخاذ باجراءات قانونية ضد اسرائيل ضد التهويد في القدس وعدد من الجرائم الاخرى، وهو ما سيضع الادارة الاميركية امام مزيد من الاحراج والتعقيدات في منطقة الشرق الاوسط الحبلى بالمتغيرات!

الواضح ايضاً انه عندما يختار البيت الابيض ثعلباً صهيونياً يدعى مارتن انديك مبعوثاً جديداً للسلام في المنطقة ليواكب المفاوضات، فانه يحرص على ان يشعل النار تحت طنجرة البحص بطريقة توفّر على اوباما العودة مجدداً الى الاشتباك مع نتنياهو عشية الانتخابات النصفية للكونغرس في السنة المقبلة، ثم ان انديك سيتولى حراسة المرمى الاسرائيلي في مواجهة صائب ومحمد استية، ولكأن ستيفي ليفني واسحق مولخو لا يكفيان رغم وجود الحكم الضاحك "كي ري"!

المصدر: 
النهار