الكنيسة الأنغليكانية والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي

بقلم: 

نشرت صحيفة «التايمز» البريطانية مقالاً في 28 حزيران (يونيو) الماضي بعنوان «رئيس أساقفة الكنيسة الأنغليكانية يثير غضب مسيحيي الأراضي المقدّسة»، وبإمكاني أن أتصوّر التتمة. وقد شاهدتُ على مرّ السنوات، كيف تعرقلت جهود أفضل وزراء خارجية بريطانيا ورؤساء أساقفة كانتربري – وفي أحيان كثيرة بتحريض من سياسيين إسرائيليين - خلال زياراتهم الرسمية إلى الأرض المقدّسة. وفي إحدى السنوات، نُصِب فخ لوزير الخارجية الراحل والمحنّك روبن كوك، الذي كان ينتمي إلى حزب العمّال وتعرّض للإحراج. وفي عام 2013، بات ما يُسمى بالأرض المقدّسة حقل ألغام خطيراً للزوّار الرسميين، لا سيّما أنّ إرضاء مجموعة هناك يمكن أن تعتبره مجموعة أخرى مسيئاً لها.

وفي 21 آذار (مارس) من هذا العام، تمّ تعيين جاستن ويلبي، الذي كان يتبوأ منصب أسقف دورهام منذ أقل من سنة، كرئيس لأساقفة كانتربري. وكانت بدايته جيدة برأيي. فهو أدار عمله باعتماد أسلوب أقل رسميّة، وسلوك وجهة ذات طابع أقل صرامةً، إلى جانب كونه حادّ الذكاء وشديد الاطّلاع على الأحداث. وكان سبق له أن عمل في كاتدرائية كوفنتري، وكان مبعوثاً خاصاً للسلام لرئيس أساقفة كانتربري، وأرسل إلى عدد من المناطق الساخنة في أفريقيا، بما فيها نيجيريا. وكان هذا الرجل الذي يحسن الإصغاء قد كرّس معظم وقته في السابق للمساعدة على تحسين العلاقات بين المسيحيين والمسلمين.

وفي نهاية شهر حزيران، قام برحلة دامت خمسة أيام إلى مصر والأردن وإسرائيل والضفة العربية. ولا شكّ في أن برنامج زيارته كان حافلاً بالأحداث ومستعجلاً. إلا أنّه وقع في ورطة لأنه لم يقم بزيارة مدينتي الناصرة وبيت لحم. ورأى الفلسطينيون المسيحيون أنّه عامل الفلسطينيين «بطريقة ثانوية»، مع أنّه التقى بفلسطينيين مسيحيين في القدس ورام الله.

واللافت أنّ نقّاده لم يرحموه إطلاقاً. فقد أعلن مسؤول فلسطيني مسيحي «إنها فضيحة. ويشعر شعبنا بالغضب. إنه أحمق. لم يذهب هذا الرجل إلى بيت لحم متحججاً بضيق وقته. فهل كان وزير السياحة الإسرائيلي ينظّم جولته»؟

ولم يتوقّف الانتقاد عند هذا الحدّ. فقد عبر كزافيي أبو عيد، وهو مسيحي من بيت لحم ومتحدّث باسم السلطة الفلسطينية، عن امتعاضه من نسيان المسيحيين خارج المنطقة وتجاهلهم لأوضاع المسيحيين الفلسطينيين، وقال إنّ رئيس أساقفة كانتربري «أبدى تعاطفاً كبيراً مع الجانب الإسرائيلي، بناءً على أجندته، ولم يعمل على تمضية وقت أكبر مع الجانب الفلسطيني. ويبدو أنه أراد بشكل أساسي أن تتركّز رحلته على العلاقات بين اليهود والكنيسة الأنغليكانية. لكن الجانب الفلسطيني أيضاً يضم مجتمعاً أنغليكانياً يمرّ بمعاناة، وقد تمّ تجاهله».

وعلى غرار كافة رؤساء أساقفة كانتربري السابقين، يجب أن يتوخى جاستن ويلبي الحذر مع الجالية اليهودية البريطانية التي يمكن أن تكون حساسة جداً ولاذعة في انتقاده. وقد زار رئيس الأساقفة حائط المبكى والمسجد الأقصى. كما زار نصب ياد فاشيم الذي شُيّد لإحياء ذكرى المحرقة اليهودية. وكان سيقع في ورطة في حال لم يوافق على زيارة هذه الأمكنة.

لقد أدى التغيير الحاصل في رئاسة أساقفة كانتربري إلى تبدّل في صفوف العاملين في قصر لامبيث في لندن، المقر الرئيسي لرئيس الكنيسة الأنغليكانية. والأكيد أنّ رئيس الأساقفة سيخصّص وقتاً أكبر للفلسطينيين، خلال زيارته المقبلة إلى إسرائيل والدول العربية. ولا يعرف الكثيرون أنّ الكنيسة الأنغليكانية والكنيسة الكاثوليكية في بريطانيا تعملان معاً عن كثب لتسوية المشكلة العربية-الإسرائيلية، وتخشيان دوماً أن يحاول الصهاينة استغلال بعض الخلاف في الرأي بينهما. ويشار إلى أنه تمّ حتّى تبادل مسودات البيانات الصحافية بين الكنيستين لفترة من الوقت.

ويعدّ تراجع أعداد المسيحيين العرب في العراق وسورية وكذلك فلسطين مصدر إحباط كبير بالنسبة إلى الكنيستين الأنغليكانية والكاثوليكية على حدّ سواء. وفي عام 2006، وقبل عيد الميلاد بوقت قصير، قام رئيس أساقفة كانتربري السابق روان وليامز، برفقة الكاردينال كورماك مورفي أوكونور، الذي كان آنذاك رئيس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية، بزيارة إسرائيل. ومن بيت لحم، وهي قرية مدمّرة ومضطربة في الضفة الغربية، ومفصولة عن القدس بنقاط تفتيش كثيرة، أرسل روان وليامز إلى صحيفة لندنية مقالاً بعنوان «لا يجب أن ننسى مأساة المسيحيين العرب»، كتب فيه ما يلي: «في عيد الميلاد، صلّوا لقرية بيت لحم، وفكّروا في الأشخاص المعرّضين للخطر بسبب قلة بصيرتنا وجهلنا...».

وفي أنحاء العالم، يذكر المسيحيون أنّ الديانة المسيحية ولدت في الشرق الأوسط، وكانت جزءاً مهمّاً من هذه المنطقة على مدى قرون، كما أن العلاقات بين المسيحيين والمسلمين كانت ودّية وحميمة على امتداد سنوات كثيرة في شمال سورية مثلاً. وفي إسطنبول، وقبل فترة ليست بعيدة، نصحت بعض وسائل الإعلام التركية بطريرك الطائفة الأرثوذوكسية، التي تعدّ أقلية في تركيا، بالرحيل. وينمّ هذا التصرّف عن نظرة ضيقة الأفق تجاه الأديان الأخرى، ولا شك في أننا سنكون بأحسن حال من دون هذه النظرة.

وعند النظر إلى الأمور عن بعد، ووسط الخوف من أن لا يبذل الرئيس باراك أوباما جهوداً كافية لحلّ النزاع العربي-الإسرائيلي خلال ولايته الثانية، ومن أن لا يبدي السياسيون في إسرائيل استعداداً لتقديم التنازلات للفلسطينيين، يبدو أنّ دور رجال الدين ورؤساء الأساقفة محدود جداً. فقد باتوا مراقبين عاجزين أمام حماقة البشر

المصدر: 
الحياة