لماذا يندفع كيري وماذا تغيّر إسرائيلياً؟

بقلم: 

لا يحظى استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين واسرائيل باهتمام كبير نظرا للانشغال الاساسي اللبناني وغير اللبناني بأحداث جوهرية كبيرة تحصل في دولتين عربيتين اساسيتين اي مصر وسوريا من دون ان يعني ذلك عدم متابعة المعنيين الاهتمام بهذا الملف. لكن حتى بالنسبة الى هؤلاء يسهل التشكيك في فاعلية هذه المفاوضات او احتمال نجاحها تبعا لاسئلة واستنتاجات عدة. فبالنسبة الى الاسئلة فقد يكون اهمها ما الذي يجعل استئناف المفاوضات راهنا اكثر حظا من اي وقت سابق بما يحفز على التفاؤل على هذا الصعيد؟ وهل ان التحولات الجارية في بعض الدول العربية الاساسية ساهم في تغيير الحسابات الاسرائيلية في الدرجة الاولى، باعتبار ان التنازلات مطلوبة من اسرائيل اكثر بكثير من الفلسطينيين، بحيث يمكن التعويل على حصول اختراق، وفق مدة الاشهر التسعة التي حددها وزير الخارجية الاميركي جون كيري للمفاوضات الجديدة ؟ ام انه قد يكون اسهل في عز انشغال دول عربية مؤثرة بالتطورات الدرامية فيها، وهي ممن كان لها ادوار اساسية في كل جولة من جولات التفاوض السابقة لم تكن غالبيتها ادوارا ايجابية. وليس بسيطا تحييد هذه الدول نفسها قسرا او عدم تأثيرها، كما هي الحال بالنسبة الى سوريا وعبرها ايران.

أما بالنسبة الى الاستنتاجات، فهناك ما يتصل في شكل خاص برغبة الديبلوماسية الاميركية ورئيسها تحديدا في التمهيد لانجاز ما يصب في خانته في ظل خيارات اخرى يصعب الانجاز فيها. وهو سجّل لمصلحته نقاطا ايجابيا في اقناع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي في العودة الى طاولة المفاوضات بعد مبادرات حسن نية كان آخرها افراج اسرائيل عن أسرى فلسطينيين رفضت اطلاقهم سابقا في مقابل تجميد سعي السلطة الفلسطينية الى الحصول على عضوية دائمة في الامم المتحدة. ولذا ليس غريبا ان تنفرد الولايات المتحدة وحدها بالجهد الآيل الى استئناف المفاوضات دون سائر اطراف الرباعية الدولية التي تضم الى الولايات المتحدة كلا من روسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة. وثمة من يضيف، في اطار الاستنتاجات، الحاجة المتعددة الطرف اميركيا واسرائيليا وحتى عربيا الى انتزاع ورقة توظفها ايران لمصلحتها تحت عنوان فضفاض يتصل بالقضية الفلسطينية في وقت يستمر التوتر بين ايران واسرائيل على خلفية الملف النووي الايراني فيما يتصاعد التوتر بين الدول العربية وايران على خلفية الانخراط الايراني في الحرب الى جانب النظام السوري وطموحات ايران في اختراق دول المنطقة سياسيا وتوظيفها هذه الطموحات مذهبيا.
تقول مصادر ديبلوماسية عربية انه لا يمكن اعتبار استئناف المفاوضات مفاجئا الى حد كبير بعد ست رحلات مكوكية قام بها كيري الى المنطقة منذ تسلمه مهماته في وزارة الخارجية في شباط الماضي وتمهيد الدول العربية لهذه المرحلة التي توجت بها مكوكيته بالموقف الذي اتخذته لجنة المبادرة العربية في اواخر نيسان الماضي والتي أقرت فيه مبدأ تبادل الاراضي بين اسرائيل والفلسطينيين اعتبره كيري وقتها خطوة كبيرة الى الامام باعتبارها خطوة تشجيعية كبيرة لاسرائيل على هذا الصعيد. وقد اثار هذا الموقف حينئذ انتقادات مبعثرة لم تجد صدى كبيرا الا انه لم يدحض فكرة التحضير بقوة لاستئناف المفاوضات. وباستثناء التوقعات المرتفعة قليلا التي أثارها كيري على اثر أول لقاء للوفدين الاسرائيلي والفلسطيني في واشنطن مطلع الاسبوع الحالي فإن لا امال كبيرة او أوهام معقودة على استئناف المفاوضات نتيجة التجارب المتعددة خلال ما يزيد على عقدين من المفاوضات من دون نتائج حاسمة، فضلا عن ان تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الوزراء في اسرائيل ليس مشجعا على هذا الصعيد في ضوء مواقفه الرافضة لوقف الاستيطان ورفضه عقائديا السلام مع الفلسطينيين على رغم الاشارة الايجابية التي يرسلها بتكليف تسيبي ليفني المعروفة بانها من مشجعي السلام مع الفلسطينيين، ملف التفاوض مع الفلسطينيين في هذه المرحلة. لا بل ان العكس هو الذي يطغى على المشهد لجهة الحذر او التحفظ ازاء النتائج المحتملة حتى لو ان نقاطا ايجابية تحققت من مجرد الاجتماع بعد ثلاث سنوات من انقطاع المفاوضات.
لذلك فان السؤال الذي يتكرر هو هل تغيرت الحسابات الاسرائيلية ام انها مجرد مسايرة للولايات المتحدة، من جهة، من اجل ضمان وقوفها الى جانب اسرائيل في اي قرار يمكن ان تتخذه اسرائيل ضد الملف النووي الايراني او ان المسألة تتصل، من جهة اخرى، بما يحصل في الدول المجاورة لاسرائيل والمجهول الذي تفتح عليه منذ سنتين حتى الآن في ظل ضياع حقيقي لا يملك احد ان يقدم اجوبة واضحة عليه لا الولايات المتحدة ولا احد سواها، وما اذا كان يمكن ان يأتي لمصلحة اسرائيل ام لا؟ اذ ان اسرائيل يمكن ان تستفيد من تغيير النظام في مصر الذي سيكون أكثر التزاما كما النظام ابان عهد مبارك بضوابط العلاقات ومصالحهما المشتركة في حين حظيت السلطة الفلسطينية بزخم تبعا للضربة القاصمة التي تلقتها حركة "حماس" عبر هذا التغيير نفسه، كما انه يمكن ان يستفيد من التداعيات التي يفرضها هذا التغيير على موقع الاخوان في المنطقة واثره على حكم "حماس" في غزة بحيث يتعين على اسرائيل ان تستفيد بدورها من الزخم الذي حصلت عليه السلطة الفلسطينية نتيجة لذلك.

المصدر: 
النهار