حماس وحزب الله: خلاف منظم

بقلم: 

تعيش المنطقة العربية واقعاً متغيراً يصعب معه رصد التطورات السياسية وآفاق المرحلة وتحالفاتها. مخاضات الربيع العربي في سوريا ومصر وتونس وغيرها لم تستقر بعد، لا تزال ترخي بظلالها على العالم العربي والمنطقة بأسرها. ما حصل في مصر بغض النظر عن توصيفاته بدأ يظلل السياسة في المنطقة ويعيد رسم تحالفاتها وأولوياتها. الجهود الأميركية لإعادة إطلاق عجلة المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية تتقدم وسط ترقب إنعكاساتها على الأرض في لبنان او فلسطين. ضخ الدم أعيد إلى ما كان يعرف بمحور الممانعة بعد عودة المياه الى قنوات التواصل بين "حزب الله" وحركة "حماس" كخطوة لا تنفصل عما تنتظره المنطقة. 

لا ينفصل الحدث المصري بطبيعة الحال عن التقارب المستجد بين "حزب الله" وحركة "حماس". لكن استمرار التباعد بين مواقف الحزب والحركة في الموضوع السوري، يؤكد أن التقارب هو لمصلحة إستراتيجية للطرفين. "حماس" أصلا لا تنفي ذلك في سياق سرد ضرورة تكاتف الجميع خلف القضية الفلسطينية ومشروع المقاومة من أجل تحرير فلسطين. لكن أين تكمن مصلحة الحزب الإستراتيجية؟.
 

تنفي الحركة ما يتردد عن عودة العلاقات بينها وبين "حزب الله". تقول لـ"المدن" وعلى لسان ممثلها في لبنان علي بركة "أصلاً العلاقة لم تنقطع. نعم تراجعت بسبب الخلاف حول معالجة الأزمة السورية لكن الإتصالات لم تنقطع واللقاءات دائمة والتنسيق والتشاور والتعاون قائم في ملفات كثيرة متفقين عليها. لكن هذا الخلاف لا يعني ان نختلف معهم على بقية الملفات. نحن نتفق في مواجهة العدو الصهيوني، والصراع العربي الإسرائيلي، ودعم القضية الفلسطينة، وتحييد المخيمات الفلسطينية عن التورط في الأزمات الداخلية اللبنانية، ومنع الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة لأن اي معركة مذهبية لا تخدم سوى العدو، لذلك نحن حريصون على بناء علاقات متوازنة مع كل مكونات الشعب اللبناني الشقيق، وايدينا ممدودة إلى كل القيادات السياسية من أجل منع الفتنة المذهبية واي اقتتال لبناني - لبناني او لبناني – فلسطيني".
 

في مقابل تعداد بركة للقواسم المشتركة بين حركته و"حزب الله"، لا يخفي أن الأزمة السورية لا تزال تشكل بنداً خلافياً، و"لم نتفق بشأنها". واذ يؤكد أن الحركة "تحرص ألا تتدخل في الشؤون الدخلية للدول العربية"، يشير إلى موقفها الواضح في ما يتعلق بسوريا فـ"نحن كنا وما زلنا مع الحل السياسي السلمي الذي يحفظ وحدة سوريا أرضاً وشعباً ويحقق تطلعات الشعب السوري بالحرية والديموقراطية والعدالة الإجتماعية. ونرفض التدخلات الخارجية وخصوصا العسكرية من أي جهة كانت"، ويشدد: "نحن مع الشعوب العربية والإسلامية في سعيها الى الحرية".
 

مع قرار حركة "حماس" الخروج من سوريا بعد ان اتخذت من العاصمة دمشق لسنوات مقراً لها، شن الثلاثي، "حزب الله" – إيران – النظام السوري، حملة سياسية وإعلامية ضد الحركة التي ارتبطت بحلف وثيق معهم لأكثر من عقدين واتهمت بأنها "تخلت عن مشروع المقاومة واصبحت تدور بالفلك الأميركي – التركي - القطري وتخلت عن حلفائها في محور المقاومة وراهنت على الربيع العربي القادم على المنطقة وصولاً الى اتهامها بالتورط في القتال في سوريا والمشاركة في معركة القصير"، تقول مصادر فلسطينية. هذه الحملة تدرجها المصادر في إطار "الثأر والإنتقام من الحركة بسبب رفضها التحول الى طرف يستخدم في الأزمات الداخلية العربية وتمسكت بقرارها المستقل، ورفضت مبدأ الوصاية، ولم تقبل ان تكون جبهة عامة أخرى".
 

التطورات المتسارعة مؤخراً في مصر وفلسطين، دفعت "حزب الله" وإيران، وفق المصادر إلى "إعادة النظر في توجهاتهم في المنطقة. برز ذلك في ترحيبهم بالإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي بدءاً، قبل أن يكتشفوا بعد ذلك انه مقدمة لمشروع أميركي - إسرائيلي يستهدف المنطقة ويهدف الى اعادة ترسيمها وتركيب معادلاتها السياسية من جديد. اذ تبين ان اعادة اطلاق المفاوضات ووجود حل نهائي مطروح أميركياً يفسر ما حصل في مصر، لذلك استنتجوا ان الموضوع الفلسطيني عاد ليتصدر الأولوية في المنطقة ولا بد من اعادة التركيز عليه بكل عناوينه".
 

المفاوضات التي تسعى واشنطن الى اطلاقها، بحسب المصادر "قد تترافق مع عمل عسكري تقوم به إسرائيل في فلسطين او في لبنان لذلك إرتأى الحزب اعادة التفاهم بين اطراف المقاومة في المنطقة بوصفها ضرورة للمرحلة المقبلة"، وخاصة أن الحزب حاول في السابق فتح خطوط تواصل مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس لكنه إصطدم بواقع "الرهانات الخاسرة"، تقول المصادر.
 

في المجمل، اعادة "حزب الله" النظر في علاقته مع حركة "حماس" بعد كل ما حصل، ليس غزلا بها أو عشقاً مستجداً، بل نتاج تطورات سياسية كبيرة حصلت في المنطقة، ودفعته الى التصرف بعقلانية ورؤية استراتيجية جوهرية، خاصة اذا ما صحت توقعات قرب اندلاع حرب جديدة.

المصدر: 
المدن