بين الرضا الأميركي والفجوة الإسرائيلية الفلسطينية

بقلم: 

يتجادل الإسرائيليون والفلسطينيون حالياً حول الأساس الذي ستقوم عليه مفاوضات السلام الوشيكة في وقت يتجه فيه مبعوث من كلا الجانبين إلى المفاوضات في واشنطن، التي أُعلن عنها باعتبارها إعادة إحياء للجهود الدبلوماسية بعد ثلاث سنوات من الطريق المسدود.

وبينما تلتزم الولايات المتحدة الصمت بشأن قواعد التفاوض، يتجادل الطرفان حول المسألة المركزية المتمثلة في ما إن كانت المفاوضات ستقوم على حدود إسرائيل عام 1967 أم لا.

ويأتي هذا الجدال وسط مشاعر تشكك منتشرة على الجانبين في أن تفضي المساعي الدبلوماسية التي ترعاها الولايات المتحدة إلى اختراق يسمح بإنهاء ما يزيد على قرن من النزاع. وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول «يوسي آلفر»، المحلل الإسرائيلي البارز والمدير السابق لمركز «جافي» للدراسات الاستراتيجية: «إن حظوظهم في التوصل لنهاية النزاع منعدمة»، مضيفاً «وذلك لأن المواقف جد متباعدة بخصوص قضايا مثل مستقبل الأماكن المقدسة وحق العودة»، عودة الفلسطينيين الذين فروا أو طُردوا عند قيام إسرائيل في عام 1948.

ومن خلال ردهما بنعم على الدعوة الأميركية إلى التفاوض، يتجنب نتنياهو وعباس إمكانية أن يشار إليهما باعتبارهما من «معسكر الرفض» من قبل وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي قام بست زيارات إلى المنطقة في مسعى لإقناع الطرفين بالتوصل لاتفاق حول المفاوضات. ومن الممكن أن تُبقي هذه الرغبة في عدم التعرض للوم على الجانبين منخرطين خلال المستقبل القريب.

غير أن ثمة أصواتاً أكثر تفاؤلاً أيضاً. وفي هذا السياق، قالت كبيرة المفاوضين الإسرائيلية، وزيرة الخارجية السابقة ووزيرة العدل الحالية تسيبي ليفني قبل أن تتوجه إلى واشنطن: «إنني أسافر ولدي شعور بمسؤولية عميقة وأمل كبير»، مضيفة «هناك فرصة أمام الجانبين لتعبيد طريق من أجل التوصل لحل بشأن النزاع».

وكانت الحكومة الإسرائيلية قد مهّدت لاستئناف المفاوضات من خلال قرارها الإفراج عن 104 سجناء فلسطينيين من المحكوم عليهم بمدد طويلة، على دفعات.

ويرى «آلفر» أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تتوقف عن السعي وراء اتفاق شامل يغطي كل قضايا الوضع النهائي التي تركتها اتفاقات أوسلو 1993 معلقة – الأمن، ووضع القدس، واللاجئين، والمستوطنات – وأن المفاوضات ينبغي أن تركز بدلاً من ذلك على القضيتين الأوليين من هذه القضايا فقط، واللتين، وإن كانتا شائكتين، إلا أن لديهما فرصة أفضل للحل، ألا وهما الحدود والأمن.

غير أنه حتى بخصوص الحدود، فإن الهوة بين الطرفين مازالت تبدو كبيرة ومن الصعب جسرها. فعباس لطالما طالب بانسحاب إسرائيل من الضفة الغربية المحتلة، مع تبادل للأراضي في بعض المناطق من أجل تمكين بعض من أكثر المستوطنات الإسرائيلية كثافة سكانية بالبقاء تحت سيطرة إسرائيل. ومؤخراً، حصل عباس وكيري على تأييد الجامعة العربية لهذا الموقف. غير أنه من الناحية العملية، سيتطلب ذلك من نتنياهو القطع مع شركاء يمينيين في الائتلاف الحكومي ومن إسرائيل إجلاء الكثير من المستوطنين الـ300 ألف الذين نقلتهم إلى الضفة الغربية منذ عام 1967.

عبد الله عبد الله، مشرِّع فلسطيني يشغل منصب نائب مفوض العلاقات الدولية في حركة «فتح» التي يرأسها عباس، يشدد على أن الدعوة الأميركية للمفاوضات تنص بوضوح على أن تتم المفاوضات على أساس الحدود التي كانت موجودة بين إسرائيل والضفة الغربية قبل حرب عام 1967، مع تبادل للأراضي في بعض المناطق.

ويقول عبد الله: «هذا كتابياً والإسرائيليون لا يمكنهم القفز عليه. إن الولايات المتحدة تقوم برعاية هذه المفاوضات؛ وبالتالي، فإنها تحدد القواعد وهذه هي المرجعيات. إذا كان الإسرائيليون لا يعجبهم ذلك، فعليهم ألا يأتوا».

ولكن مسؤولًا إسرائيلياً رفيعاً طلب عدم الكشف عن اسمه لأنه لم يرخص له بالتحدث حول الاتصالات المحيطة باستئناف المفاوضات، يقول إن إسرائيل تستبعد العودة إلى حدود عام 1967 مع تبادل للأراضي في بعض المناطق. ويقول: «إننا لم نوافق على ذلك. وإسرائيل رفضت المطالبة الفلسطينية بذلك باعتبارها شرطاً مسبقاً للمفاوضات».

ويشار هنا إلى أن المتحدث باسم السفارة الأميركية في تل أبيب رفض الكشف عن ماهية المرجعيات أو توضيح الموقف الأميركي واكتفى بالقول: «إن هذه محادثات خاصة ومغلقة».

الاجتماع الذي يعقد في واشنطن، والذي من المقرر أن يدوم يومين فقط، يوصف باعتباره جلسة إجرائية لوضع جدول زمني والاتفاق حول تفاصيل المفاوضات التي ستتم في المنطقة. هذا ومن المرتقب ألا تدوم المفاوضات أكثر من تسعة أشهر كحد أقصى. ولكن غسان الخطيب، الوزير السابق في السلطة الفلسطينية، يتوقع أن تستمر المفاوضات عملياً لبعض الوقت، وإنْ من دون اتفاق سلام. وقال الخطيب في هذا الصدد: «إن مفاوضات لا نهاية لها تمثل شيئاً جيداً بالنسبة للأميركيين لأنهم يستطيعون الإشارة إلى النجاح في جلب الجانبين إلى الطاولة وإبقائهم هناك. كما أن نتنياهو يمكنه تفادي الضغط الأميركي وإظهار أنه منخرط في عملية السلام. ومن جانبه، يمكن الاستمرار في تزويد عباس بالمال، وإطلاق سراح السجناء، والحفاظ على بقاء السلطة الفلسطينية».

غير أن «الخطيب» يعتقد أن الولايات المتحدة لن تضع ما يكفي من الضغط على إسرائيل لفرض التنازلات الجوهرية اللازمة من أجل تمكين ظهور دولة فلسطينية قابلة للحياة.

وفي رأي مهدي عبد الهادي، مدير «الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية»، فإن عباس قد يستطيع الاستمرار في التفاوض لبعض الوقت من دون نتائج لأنه «ليست لديه أي معارضة»، لافتاً إلى أن حركة المقاومة الفلسطينية «حماس»، باتت في موقف ضعيف بعد أن فقدت حليفها الرئيس المصري المعزول محمد مرسي وانفصلت عن سوريا وإيران.

المصدر: 
كريستيان ساينس مونيتور