في رام الله سلطة ملائكة وشعب شيطان

بقلم: 

ليس من السهل ان تعيش تحت وقع  الدجل والعزف على سمفونية الوطنية  الزائفة التي  باتت إسطوانة مشروخة وشماعة تعلق عليها كل مبادرات وحلول التهويد  وتصفية ما تبقى للقضية من حجارة. وأن تمارس الفشل في قيادة دفة الحكم على مدار 20 عاما هو ليس  بحكم بقدر ما هو بعض المقاطعات والبنيات التي أهلها العالم لكي تصبح دولة فيما بعد ليس على الأرض، بل في أحلام ساكنيها. وان تستمر في ممارسة الخطأ وتعود لتمارسة من جديد وتعيد نفس السيناريو المرتبك في آلية التعامل مع المواطن الحر الذي صفع الاحتلال وتمرد على الظلم. فتلك هي الخطيئة بعينها وأنت أهل للخطيئة في التعامل  مع المواطن الذي لا يرضى أن تهان كرامتة مرتين واحدة من المحتل وأخرى من السلطة، ولكن إهانة السلطة لها وقع مختلف، خاصة في ظل  ظروف صعبة وفي ظل ارتفاع غير مبرر للأسعار وأيضا لتأثر الفلسطيني بما يدور حوله في العواصم العربية والتأثر بالمحيط من ثورات وانقلابات كلاسيكية جعلت من الحاكم مطارد ومن المطاردين حكام.

رام الله المدينة المتربعة على عرش السياسة الفلسطينية، وهي عاصمة السلطة المؤقتة التي أفرزتها اتفاقية أوسلو، تدخل تلك المدينة وشوارعها  في كل عام  دهاليز تشكيل الفضاء الثوري للخروج من الواقع المأزوم. تنتفض وتغضب لزيارة موفاز، تنتقم للتطبيع، تثأر لاستمرار المفاوضات، ترفض وتتمرد وإن كان من يحملون تلك المصطلحات والشعارات قليلون فهم  يعتبروا روح المدينة لما يحملوه من وعي ثوري اتجاه بلد يُقسَّم ويضيع ويباع تحت حجة استمرار العملية السلمية  و«المفاوضات حياة»  كما عرفها اهل التنازل. والاستمرار في تلك الحياة  التي لا تخلوا من مسلسلات الخيانة دأبت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين  وهي ثاني فصيل في منظمة التحرير الفلسطينية  ان تكون  دائما في موقف المعارض  لكل اتفاقيات الصلح مع المحتل. وكانت هي وأنصارها من مثقفين وطلاب جامعات ومتعلمين عصا غليظة في دولاب التفاوض والتطبيع ونهج الاستسلام البائس الدائر في كنف المقاطعة دون الرجوع الى الشعب ودون استشارته واخذ رأيه في كل خطوة عبثية تمرر من تحت الطاولة بحق هذا الوطن.  

شهدت المدينة مظاهرة  تطالب بوقف التفاوض ونهج الخراب الذي أخذ القضية الى القاع. استنفرت الجبهة  الشعبية رفاقها وكل الحريصين والأحرار من ابناء هذا الشعب. ليس لكي يتصادموا او يواجهو او يشتبكوا مع الأمن، بل لتوصيل رسالة سامية وخالدة وانسانية سلمية للتعبير عن الرأي بطريقة كفلتها كل القوانين والشرائع في فلسطين والعالم. كانت الشرطة الفلسطينة وعناصرها تعد العدة  حتى لا يصل المتظاهرون الى المقاطعة " الباب العالي " وحتى لا يزعجوا منامات السكارى في هذا الباب. تعامل الأمن بطريقة لا تنم عن  فلسطينة الإنسان  اللابس للزي العسكري. ظهرت بشائر الجنرال دايتون في هذا المشهد وبدأ الخير يوتي أكله. في عملية التدريب المنظم. أصطدم الشباب  مع الأمن الفلسطيني فكان الاعتداء يماثل ما سبقه  من اعتداءات وبنفس الوسيلة وبنفس الوتيرة وبنفس الشخوص. الذين باتوا نار على علم في انتهاك الحريات. وأن تصل فصول الاعتداء باعتقال وخطف شباب مصابين جراء عصا العسكري الغليظة من على سرير الشفاء في المشفى فتلك جريمة أخرى بمعنى الزعرنة  والبلطجة الامنية.

 ما كانت تود الشعبية إيصاله وبكل صدق وطني هي  رسالة لا اكثر ولا اقل. لكن الرسالة جاءت معاكسة من سلطة وأجهزة أمنية مدججة بالسلاح بنظرها الشعب هو مجموعة شياطين وخاصة انصار الجبهة الشعبية وان القيادة هي قيادة الانبياء والملائكة التي لا تخطئ  ولا تسلك سوى الخط الوطني في مسارها وهذا طبعا في عرف من تدربوا في القاعات المغلقة على يدي الجنرال الأمريكي كيث دايتون. وبول بوش.  ومن هذا المنطلق كانت عقلية التعنت في المعاملة السيئة والاعتداء المقصود حتى وصل بهم الاعتداء على كبار السن وايضا على قيادات وطنية وعلى النائب في المجلس التشريعي الرفيقة خالدة جرار وبعض الذين تواجدو من صحفيين ومواطنين ماره في شارع حيوي كشارع الإرسال. ما جعل الشباب الغاضبين من هكذا سلوك أرعن وجاهل لكل ما يحيط بسلطة أوسلو من تطورات وأحداث في دول الربيع العربي لم تاخذ منها الدرس والعبرة في التعامل مع خدش كرامة المواطن  واللعب على أوتار حريتة.الى أن  يردوا الاعتداء بالاعتداء بعصي الرايات والأعلام  وهذا من باب الدفاع عن النفس ومن ثم يتطور المشهد لقذف حجارة متبادل من قبل الامن  والمتظاهرين الذين نزل الدم منهم كبيرا وصغيرا دون نظرة اسف من قبل شرطي أو ضابط واقف فقط  في خانة الواجب البوليسي، دون مراعاة للاخوة وللشرف وللوطنية، فالمهمة هنا والمهم الاول هو الضرب لا غيره  والتكسير لا غيره في عرف العقيدة الأمنية.

من باب  الابتعاد عن ثرثرة المزاودة. فهنا النظرة كانت من قبل الضباط ومن خلال الحديث معهم أن القيادة صائبة وصاحبة هدف ومشروع وهي ثلة من الملائكة والمتظاهرون هم أشباح وشياطين يخرجون من بيت أنيسة ومن المقاهي لكي يضعضعو الامن وينشروا الفوضى. فثقافة الملوكية والتعالي والاستكبار، لا تزال موجوده من قبل القيادة والكذب والتضليل السبيل الاوحد لكي يتنكروا من بزتهم العسكرية ويرموا التهم على ابناء شعبهم. حتى ان مشاهد التمثيل والمسرحية من اعتداء المتظاهرين  على العسكر  فتلك  فبركات. وكذب لا يطول عمره. واذا ما تحدثنا أيضا في  طروحات الكذب والدجل فهنا الملائكة هم الشعوب والشياطين هم من الحكام  وتونس أكبر مثال وكذلك مصر ودول الربيع . فمن هنا دائما ما يكون المواطن على  حق وصاحب حق بعكس العسكري والشرطي الذي  دائما  ما يكون في عين العاصفة والتشكيك بالمصداقية. ليس لمكنونة أو نشأته  بقدر ما هو الأمر لقيادته ومعدنها الصدئ. وكذلك لان المواطن لا يملك من أمره سوى حرية التعبير والتظاهر على عكس المدجج بالخوذ والدروع والعصي والسلاح. الذي هو معد مسبقا ليس لمستوطني نابلس ولا حتى  للعملاء والمجرمين بقدر ما هو عتاد معد مسبقا لكم الأفواه وتكسير العظام.

 

اليوم وللأسف سقطت كل المسميات وكل المحرمات تحت، فلا عادت منظمة التحرير تجمعنا، ولا عادت السلطة تمثلنا، لما فيها من سيئات وعثرات لا تعالج إلا بالهراوة  والعصا على رأس المواطن. وهنا حين تكمن تلك التصرفات العبثية بملائكية  السلطة وبعبثية وشيطنة الشعب. فلم يعد من المجدي إلا ان نهتف بحنجرة واحدة ان تسقط المفاوضات ومن خلفها كل رموز الفساد والتفريط  والتهويد والتنازل. وان يكون هنالك سقفا للحرية وحشمة في التعامل بروح الادب والمصداقية وعدم اتباع غوغائية الانظمة القمعية التي ذابت على جنبات التاريخ.

في تلك المدينة  وغيرها من المدن لا تعاملوا الرفاق ككلاب ولا تعاملوهم  كسراقين وفوضويين لا نريد أكثر من أن نكون مواطنين وإنسانيين نحب الوطن ونخدمه  بما نملك ولا نرخص علية. كونوا أكثر وعي وإدراك للمرحلة  لا تستنسخوا الحالات العربية، فلم يبقى نظام الا وسحق تحت اقدام الغاضبين ومصر اليوم اكبر شاهد أفكار شبابها هو اليوم التغيير لا غيرة.

وبين لغة الشيطة والملائكة  يبقى علينا أن ننصح بما نملك من وعي وإرشاد أنه على فتح الحركة وفتح الشهداء  ان تفيق من سباتها العميق  وان تعي ما  لها وما عليها في هذا الوطن  وعلى فتح الحركة والفصيل ان يكون فتح لا ان يكون سلطوي أكثر من السلطة نفسها. عليهم ان يستفيقوا وان يقفوا الى جانب قضيتهم التي خلف أرثها ياسر عرفات خيرا لهم من ان يقفوا الى منظومة متهالكة من إرث الجنرال دايتون. الأمل لم يغيب مع أن الجرح غائر والوجع متأصل، منذ اعتداء مظاهرة موفاز وبرافر وما بعدها من وقفات لم توفر فيها الاجهزة القوة ضد المتظاهرين. لكن يبقى هنالك  تفاؤل بأن تنصلح الاحوال الى احسن حال وان تكون فتح الى جانب الفصائل الاخرى والى جانب الشعب في تقويض فرص البيع والتهويد لأن الوطن وعشقه ليس احتكاراً على أحد. فباب الانتساب والحب والوفاء للوطن بقي مفتوحا الى حد اللحظة ولن يغلق في وجه أي فلسطيني أي كان تواجده.