فُلْكُ غزّةَ

بقلم: 

 

هو اسم السفينة التي تمّ صُنعها في ميناء غزة بمبادرة من المجتمع المدني وبعض الهيئات الرسمية فيها. هي قيد التجهيز للإنطلاق من الميناء لتجوبَ موانئ البحر المتوسط حاملة منتجات محلية الصنع وبضاعة تميزت بها غـزةُ على مـر التاريخ.

انها "خطـوة" في الماء وكأنها تذكرنا بموسى (ع) إبن مصر وبعصاه التي شق بها البحر.

وفي التاريخ ان معركة "ذات الصواري" هي المعركة البحرية الاولى في الاسلام، التي قادها كاتب وحي الرسول الاكرم (ص) عبد الله بن ابي سرح في السنة الواحدة والثلاثين للهجرة.

هي معركة التحمت فيها جيوش المسلمين مع جيوش الروم في كيليكيا واشتبكت فيها السفن بالسفن والصواري بالصواري، فكان المسلمون يقاتلون على السفن وكأنهم بها على اليابسة... وبسبب من بأسهم وإيمانهم وإعدادهم الجيد فقد انتصروا، وانهزم الروم وارتدّوا عن البحر الى البر فأصبح البحر الأبيض المتوسط بحيرة عربية اسلامية.

انه نِزال البحر مجدداً... افتتحه نشطاءُ عرب وأجانب يوم العدوان على غزة، حيث تصدت البحرية الاسرائيلية لسفن كسر الحصار عنها، فاعتدت عليها وأعطبتها وقتلت وجرحت العشرات من أحرار العرب والعالم. يومها كتبت جريدة "يديعوت احرونوت" الصهيونية، أن "قافلة السفن لم تصل الى غزة، لكن غزة وصلت الى قلوب الملايين".

وعلى أهمية ما حملته تلك السفن من مساعدات عينية، فإن أعظم ما حملته وأفْعَلَهُ، هو تلك العواطف الصادقة، وذلك النبل المجموع من أقاصي الأرض، والمجبول بحرارة الرغبة في الانتصار لشعب محاصر، أصر على الامساك باللحظة التاريخية حين قرر الصمود في وجه الهجمة الشرسة الهادفة الى إلغاء هويته الوطنية والقومية.

تشدنا الأحداث الكبرى في الوطن العربي وفي كل قطر منه بعيداً من فلسطين، فتكاد هذه الأحداث أن تنسيَنا أن غزة ما زالت محاصرة براً وبحراً وجواً، وأن أهلَها يعانون على غير صعيد – وأكاد أقول على كل صعيد – من أثار هذا الحصار.

لقد دخلت "حرب السفن" المدنية على قلة إمكاناتنا بمقابلة البحرية الحربية الصهيونية عاملاً جديداً في الصراع العربي الصهيوني. وكانت سفن كسر الحصار مؤشراً على أن الفلسطينيين سيخلقون من قلب الحصار أساليب جديدة لتأكيد هويتهم الوطنية.

حين ستصل "فلـك غـزة" الى الموانئ الموعودة، سيكون في استقبالها أولئك الذين جهزوا السفن التي انطلقت لكسر الحصار في عامي 2009 - 2010.

هناك "صراع" ايجابي بين ميناءي بيروت والعريش حول من سيكون المحطة الاولى للرحلة الطويلة على مدن المتوسط. لا بأس، فكل مياه المتوسط في ضفته الشرقية هي من "معدن" واحد، نخرته سوسة الكيان الصهيوني سنة 1948. لكنه بالتأكيد سيعود كما كان عربياً اسلامياً.

وإذا كانت "فلـك غـزّة" تتصف ظاهراً بالطابع التجاري، فإن رحلتها التاريخية هذه، تُشعرنا وكأنها "ترد جميلاً" لأولئك الذين ساهموا بكسر حصارها، حاملة إليهم بضاعة كتب عليها

"صنـع فـي غـزّة"، بما تعنيها هذه البضاعة من صمود وتمسك بالحياة وتطلّع نحو المستقبل.

تذكرنا هذه الرحلة الموعودة بالعرب الأوائل في مطلع الاسلام الذين كانوا يأتون من الجزيرة الى دمشق مرتين في السنة حاملين بضاعتهم، وراغبين بالتواصل مع أبناء جلدتهم.

رئيس لجنة المبادة الوطنية لكسر الحصار عن غزّة

المصدر: 
النهار