ينبغي الضغط على الطرف الأقوى في الصراع

بقلم: 

وفق بعض الروايات، فإن وزير الخارجية الأميركي جون كيري كان على وشك إعادة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات في ختام جولته السادسة في المنطقة يوم الجمعة الماضي، لكنه بينما كان يسعى لإقناع الطرفين بالعودة إلى المفاوضات من خلال الدبلوماسية المكوكية، أعطى الأوروبيون دفعة قوية لإسرائيل، حيث أعلنوا عن قواعد جديدة ترقى إلى عقوبات على النشاط الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. وإذا كان البعض يقول إن التكتيك الأوروبي الصارم هو المطلوب بالضبط بالنسبة للاعب الأقوى في النزاع، فإن مقاربتي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المختلفتين تمسان صميم النقاش حول أفضل السبل لإعادة الطرفين إلى التفاوض، وأي الطرفين يحتاج إلى ضغط أكبر.

وفي هذا الإطار، يقول آلون ليل، وهو دبلوماسي إسرائيلي مخضرم: «هذا السفر بين زعيم وآخر بدون ممارسة ضغط على إسرائيل لن يجدي نفعاً»، مضيفاً القول: «إن إسرائيل هي الطرف الأقوى، المحتل، وإسرائيل هي التي عليها أن تقوم بالمبادرات. لذلك، فالمرء لا يمكنه ترويج السلام هنا بدون ممارسة ضغط حقيقي».

غير أن العديد من الإسرائيليين يقولون إن خطوة الاتحاد الأوروبي تعزى إلى تصور خاطئ يرى بأن إسرائيل، وليس السلطة الفلسطينية، هي التي تتحمل مسؤولية غياب نتائج ملموسة منذ اتفاقات أوسلو 1993، كما تعكس فشلا في إدراك أن ممارسة الضغط على إسرائيل تأتي بنتائج عكسية في الواقع، وهو خطأ ارتكبته إدارة أوباما في وقت سابق وقامت بتصحيحه الآن، كما يقول عمير ميزروك، رئيس تحرير النسخة الإنجليزية من صحيفة «حايوم» الإسرائيلية. ويقول ميزروك في هذا الإطار: «لقد أدركت الولايات المتحدة أخيراً بعد بضع سنوات من إدارة أوباما أنه إذا كنت تريد من إسرائيل تحقيق السلام ومواجهة أخطار تحقيق السلام، فعليك ألا تحصرها في زاوية، بل عليك أن تعانقها وتحتضنها، وهذا ما يقوم به أوباما حالياً».

العقبة الأساسية لاستئناف مفاوضات السلام تكمن على ما يبدو في الاختلاف حول من أين ينبغي بدء المفاوضات، حيث يريد الفلسطينيون من إسرائيل ضمانة بأن حدود عام 1967 بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية ستشكل أساس المفاوضات، مع اتفاق على أن يشمل أي اتفاق نهائي تبادلا متفقاً عليه للأراضي.

ومعلوم أن إسرائيل عملت بشكل مستمر على تمديد وجودها خارج تلك الحدود منذ حرب عام 1967، حيث قامت بضم القدس الشرقية وأقامت عشرات المستوطنات في الضفة الغربية. ونتيجة لذلك، يعيش اليوم قرابة 600 ألف إسرائيلي خارج حدود عام 1967، والتي تعرف أيضاً بالخط الأخضر.

وتعلن قواعد الاتحاد الأوروبي المثيرة للجدل، والتي نُشرت يوم الجمعة، أن الاتحاد لا يعترف بالسيادة الإسرائيلية على حدود 1967، كما تحظر على منظمات الاتحاد التعامل مع الكيانات الإسرائيلية العاملة في تلك المناطق، باستثناء حالات قليلة.

ويُعتقد على نطاق واسع من قبل من يدعمون حل الدولتين أن أي اتفاق سلام نهائي سيتضمن حدود 1967، مع تبادل للأراضي في بعض المناطق. غير أنه من الصعب سياسياً، إن لم يكن من المستحيل، أن يوافق نتنياهو على نقطة البداية هذه، على اعتبار أن عضواً أساسياً في ائتلافه الحاكم، هو نفتالي بينيت، هدد بمغادرة الحكومة إذا وافق نتنياهو على التفاوض مع الفلسطينيين من نقطة البداية هذه.

غير أن أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس، أبراهام ديسكن، يرى أنه سيكون من الخطأ الإشارة إلى بينيت باعتباره مفسداً لجهود كيري الرامية إلى استئناف المفاوضات. وفي هذا السياق، يقول ديسكن، الذي يلفت إلى فشل مفاوضات السلام تحت الزعماء الإسرائيليين المحسوبين على الحمائم أمثال يوسي بيلين وإيهود باراك، والتي يحمِّل مسؤوليتها للجانب الفلسطيني: «من الواضح جداً أين توجد العقبة. إنها موجودة قبل أن يحلم بينيت في أن يكون جزءاً من السياسة»، مضيفاً: «لدينا تجربة، لا يمكننا أن نتجاهل بكل بساطة ما حدث في الماضي ونقول لقد كنا قريبين من تحقيق السلام، والآن وبسبب بينيت، لن تكون ثمة مفاوضات، ولن يكون ثمة سلام».

أما رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فيوجد في وضع معاكس. وفي هذا الإطار، يقول هاني المصري، رئيس مركز الأبحاث «بدائل» في رام الله بالضفة الغربية، إن عودته إلى المفاوضات بدون ضمانة إسرائيلية بخصوص حدود 1967 كأساس للمفاوضات، ستكون بمثابة «انتحار سياسي» بالنسبة له، لاسيما أنه كان قد تراجع عن مطالبة سابقة بأن توقف إسرائيل كل نشاط استيطاني وتطلق سراح السجناء المعتقلين منذ ما قبل أوسلو عام 1993. ويتساءل المصري: «إذا لم يشدِّد على حدود 1967، فما عساه أن يحقق؟ وكيف يمكنه أن يشرح لشعبه أسباب مشاركته في المفاوضات، بينما تُظهر الحكومة الإسرائيلية كل يوم أنها لا ترغب في السلام».

«آلون ليل»، الدبلوماسي الإسرائيلي المخضرم، يشبِّه حدود عام 1967 بخط انطلاق في سباق 100 متر، ويرى أن رفض إسرائيل قبول أي محددات من هذا القبيل يمثل محاولة للحصول على امتياز في السباق. ويقول: «إن العالم كله لديه خط بداية بخصوص حل هذا النزاع وهو حدود 1967. وإذا لم تستطع الاتفاق حول خط بداية، فإنه لن يكون ثمة أي اتفاق».

وإذا كان البعض يرى أن الفلسطينيين لديهم الكثير ليخسرونه إذا ما فشل كيري في إعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات، فإن المصري يرى أنهم يستطيعون التحرك خارج إطار المفاوضات، مثلما فعلوا الخريف الماضي مع محاولتهم الناجحة للحصول على عضوية الأمم المتحدة. ويقول في هذا الصدد: «لا يكفي استئناف المفاوضات وانتظار إسرائيل. ومن الجيد أن يتبنى الفلسطينيون مساراً سياسياً آخر»، ومن ذلك مضاعفة جهودهم لجسر الهوة بين حركي «فتح» و«حماس».

وفي هذه الأثناء، يبدو الشعور داخل الحكومة الإسرائيلية هو أن أوروبا خذلت إسرائيل وكيري بدأ يفشل. غير أنه حتى إذا فشلت جهود كيري الحثيثة في إعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات هذا الأسبوع أو في وقت لاحق من هذا العام، فإنهما قد يجدان طريقة للانخراط مباشرة، مثلما فعلا في المفاوضات التي أفضت إلى اتفاقات أوسلو.