ارتباك الخطاب حيال الفلسطينيين

بقلم: 

نعم، كشف الربيع العربي ارتباكنا وتعثرنا حيال القضية الفلسطينية.

هذا الربيع وكل الفصول التي تنهال علينا منذ أن أحرق التونسي محمد البوعزيزي نفسه تعمل كلها على تجريد تلك المفردات اللغوية حول القضية والوطنية والقومية والعروبة من أي مضمون حقيقي لها، بل تكشف عكسه تماما. ويكاد يتحول الفلسطيني اليوم إلى معنى سلبي يتقدم على ما تبوأه الإسرائيلي في الوجدان العربي على مدى أكثر من ستين عاما. يظهر هذا جليا في السقطات التي تكاد لا تنتهي في مصر وأكثر من مجتمع ودولة عربية، فتكشف مشاعر نقيضة لما كان يقال في العلن.

يجري اليوم تعميم خطاب يهاجم الفلسطينيين كشريحة وليس عبر حصر الحديث عن طرف سياسي كحركة «حماس» أو «فتح» مثلا. جرى اختبار الموضوع الفلسطيني في مصر تحديدا فانكشفت حياله مشاعر مخيفة لجهة القابلية للشيطنة وللتحريض وإعلان مشاعر كراهية عنفية عبر الإعلام وعبر التظاهرات والتصريحات. هذا أمر سبق أن شهده لبنان عندما صار العامل الفلسطيني لاعبا رئيسا في اللعبة الداخلية، فدفع الفلسطينيون في لبنان ثمنا كبيرا، ناهيك عما دفعه اللبنانيون.

همشت الثورات العربية الخبر الفلسطيني إلى ثالث أو رابع في سلم الأولويات الصحافية، فقد ظهر أن العيش والكرامة والخبز والدين هي ما يشغل بال مجتمعاتنا على نحو أكبر بكثير مما جرى شحن عقولنا به، وبدا أن المأساة الفلسطينية تستعمل في سياق تهميش الخبر الحقيقي. بدت هناك رغبة سياسية تدفع نحو تهميش هذا الواقع، لا سيما من قبل الأنظمة المهددة بالثورات.

هناك قنوات إعلامية ظهرت في مطلع عهد الثورات العربية لمحاولة إبقاء «بوصلة» الاهتمام منحصرة بالخبر الفلسطيني، لكن المهمة فشلت فشلا ذريعا حتى بين الفلسطينيين. حاولت معظم القوى والأنظمة، التي تغذا استبدادها من شعارات القضية، أن تبقي ذلك العنوان، لكن جهودها سقطت بشكل مدوٍّ.

اليوم هناك خبر فلسطيني يتمثل بإعلان المسؤول الأميركي جون كيري إعادة استئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية.

إنها مرحلة جديدة تستدعي جهدا لإعادة تظهير الخبر والهم الفلسطيني، لكن من دون التكاذب والعنصرية التي اقترنت به. فكيف يمكن أن يسعى الفلسطينيون لتقديم خبرهم وجعله في أولويات الاهتمام الإعلامي والسياسي.

من الواضح أن إعادة الاعتبار للمضمون الوطني للقضية الفلسطينية وتقديم هذا المضمون على المضامين الإقليمية هو أحد المداخل لإعادة صوغ الهم الفلسطيني، وبالتالي جعله واحدا من أوائل الرأي العام العربي الذي بات مسكونا بهموم كثيرة ضرورية وحيوية له، ونقاشنا هو ليس لإعادة الخبر الفلسطيني وإسقاط غيره، وإنما للاستفادة من التجربة الماضية.

الانتفاضة الفلسطينية الأولى كانت انتفاضة الداخل فقط، وكان العامل العربي أو الإقليمي ضعيف التأثير فيها. هذه الانتفاضة أنجزت حقا فلسطينيا بالدولة وأنجزت أيضا خبرا فلسطينيا كان أولا على مستوى العالم.. إعادة الاعتبار للمضمون الوطني لمأساة الفلسطينيين سيكون الربيع هناك.

المصدر: 
الشرق الأوسط