الأسرى... ما قبل أوسلو وما بعدها والمفاوضات... وخياراتنا السياسية

بقلم: 

أصبح موضوع إطلاق سراح الأسرى المعتقلين منذ ما قبل إعلان أوسلو موضوعا ً موازيا ًفي أهميته لوقف الاستيطان والتفاوض على أساس حدود الرابع من حزيران1967 ، مما قد يعطي الانطباع بأن التركيز عليه إنما يستهدف كسب عواطف الشارع وكسب دعمه للخطوات الأخرى التي ستقوم بها القيادة . ومع ذلك فإنه لا بد من التوقف قليلا هنا للاشارة إلى نقطة ربما كانت غائبة عن أذهان البعض وهي التساؤل: لماذا التركيز على أسرى ما قبل الاتفاق على إعلان مبادىء أوسلو.

لقد بدأ تداول هذه التسمية في السنوات التي أعقبت بدء العملية التفاوضية بعد عام 1994 وكان القصد منه التمييز بين من اعتقلوا قبل ما سمي آنذاك بعملية السلام وبين من اعتقلوا بعدها. فالذين اعتقلوا قبلها كانوا جزءا من المواجهة الوطنية العامة التي كانت ضد الاحتلال ، أما الذين اعتقلوا بعد أوسلو فقد عرفوا آنذاك بأنهم ينتمون إلى الفصائل التي تحاول إجهاض أو التخريب على استمرار " العملية السياسية " . فهل ظل الحال كذلك ؟

والجواب هو بالطبع لا. فبعد سنين قليلة من بدء المفاوضات وتعثرها بعد فترة وجيزة ، ثم اندلاع الانتفاضة الثانية انتفت هذه التفرقة وأصبحت الاعتقالات تشمل كل الفصائل بما فيها حركة فتح التي وقعت إعلان مبادىء أوسلو وقادت العملية التفاوضية التي أعقبته.

وما أريد أن أقوله هنا بأنه لم يعد هناك أي معنى للتمييز بين من اعتقلوا قبل أوسلو ومن اعتقلوا بعدها ، فالحديث يجب أن يتمحور حول بند واضح وقوي وهو إطلاق سراح الأسرى بغض النظر عما إذا كانوا قد اعتقلوا قبل أو بعد أوسلو لأن الأخيرة لم تعد تشكل فاصلا في تاريخ الصراع.

وإذا كنت أطالب بالتوقف عن التمييز بين ما قبل أوسلو وما بعدها ، فإنني أدرك أن هناك أسرى قدامى أمضوا عشرات السنين في المعتقلات الاسرائيلية وأن الفترة الزمنية التي تفصل بين اعتقال بعضهم ومن اعتقلوا قبل أوسلو لا تتجاوز الشهور أو الأيام وبالتالي فإنني أطالب القيادة الفلسطينية بالتعامل مع موضوع إطلاق سراح الأسرى بعموميته مع إعطاء الأولوية والأهمية لأطلاق سراح الذين أمضوا فترات طويلة في الأسر سواء من اعتقلوا قبل أوسلو أو بعدها.

وعلى القيادة أن تضع القوائم حسب الفترة التي تم قضاؤها في السجن وأن تصر على جدولة إطلاق سراح جميع الأسرى الذين أمضوا أكثر من عشر سنوات في الأسر كخطوة أولى تعقبها جدولة إطلاق سراح جميع الأسرى الآخرين إذا ما قيض للعملية التفاوضية النجاح . ولا شك بأن هناك حالات لا بد من التعامل معها بإلحاح مثل العديد من قادة الفصائل والحالات المرضية ، والمطالبة بإلغاء الاعتقالات الادارية واعتقال القاصرين.

وعلى أية حال فقد يعتقد البعض بأن ما أقوله هو من قبيل الشطط أو الترف ذلك لأن لا أمل في تقدم العملية التفاوضية وأن الحديث عن إطلاق سراح الأسرى بقرار طوعي إسرائيلي يبدو مستبعدا. والرد على مثل هذا القول هو أننا بحاجة في جميع الأحوال إلى استراتيجية واضحة بخصوص الأسرى الذين تم تجاهلهم في الاتفاقات السابقة ولقد آن الأوان لأن يكونوا على رأس جدول الأعمال بشكل ممنهج ولو على الأقل من الناحية النظرية لحين توفر الظروف التي ستحقق إطلاق سراحهم .

اما بخصوص الحديث الذي يدور عن إمكانية استئناف المفاوضات فقد لاحظت من خلال متابعة ردود الفعل سواء من قبل قادة بعض الفصائل أو الصحفيين والسياسيين أو حتى عامة الناس أن أحدا ً لا يعتقد بأن هناك أية جدوى من استئناف العملية التفاوضية لأن إسرائيل لا تدخر وسيلة أو مناسبة لاعلان رفضها الانسحاب لحدود 1967 أو التفاوض بشأن القدس أو إخلاء المستوطنات. وأكثر من ذلك فإن استئناف المفاوضات في ظل المعطيات الحالية إنما سيجهض التحرك الدولي الذي بدأ بالقرار الأوروبي بمقاطعة منتجات المستوطنات ، وسيعطي الشرعية لاستمرار البناء في المستوطنات بحجة أن منظمة التحرير توافق على البناء في التجمعات الاستيطانية التي ستضمها إسرائيل في إطار تبادل الأراضي دون تحديد حدود هذه التجمعات الاستيطانية.

فالحديث يدور عن تجميد غير معلن للاستيطان في المستوطنات النائية الموجودة في عمق الضفة الغربية واستمراره في الكتل الاستيطانية أرئيل ، وغوش عتسيون ، ومعليه أدوميم. والذي يعرف الموقع الحغرافي لهذه التجمعات يستطيع أن يفهم بسهولة أنها ستلتهم شمال الضفة وجنوبها والمنطقة المحيطة بالقدس من الجهة الشرقية حتى أريحا !

لست ضد حقن الدماء وتحقيق أهدافنا الوطنية بالطرق السياسية إن أمكن ، ولكنني أعتقد بأن مثل ذلك أصبح في حكم المستحيل وأن القرار الفلسطيني أصبح رهينة المساعدات الخارجية الأمريكية والأوروبية ، من جهة والمصالح والحسابات الداخلية والدولية لبعض الدول العربية التي لا يهمها أن تضحي بنا ككبش فداء لتحقيق أهدافها وحماية مصالحها.

وفي ظل هذه المعطيات فإن أحدا ً لا يستطيع أن يدعي بأن لديه توكيل قانوني من الشعب الفلسطيني للتفاوض وتقديم التنازلات القاتلة نيابة عنه وباسمه. إن المخرج الوحيد من المأزق الحالي هو تعليق العملية السياسية وعدم اتخاذ أي قرار بشأنها والعودة إلى الشعب ليختار قيادة تحمل توكيلا ً شرعيا ً منه للعمل باسمه وتنفيذ خياراته. ومثل هذه العودة للشعب تستدعي تحقيق المصالحة وإجراء الأنتخابات بأقرب وقت ممكن ، والعمل في نفس الوقت على تكريس وجود القضية الفلسطينية في حضن الشرعية الدولية من خلال السعي لاكتساب عضوية الهيئات والمؤسسات الدولية وخاصة تلك التي تنبثق عن الأمم المتحدة واستغلال كل وسائل المساندة التي توفرها لنا عضوية تلك المؤسسات.

إن الاصرار الأمريكي على التزام القيادة الفلسطينية بالتوقف عن السعي للحصول على عضوية مؤسسات الأمم المتحدة ، والذعر الذي أصاب إسرائيل من قرار المقاطعة الأوروبي ، كلها تعكس مدى أهمية هاتين الخطوتين وضرورة تفعيلهما لا إجهاضهما وإنقاذ إسرائيل من العزلة الدولية التي سيضيق خناقها حول إسرائيل إن نحن عرفنا كيف نتحرك ونعمل على الساحة الدولية ، وكيف نحتفظ بأصدقائنا لا أن نخذلهم عند أول خطوة يخطونها لنصرة قضيتنا العادلة.

المصدر: 
القدس