عن الأجنبي "الشماعة" في مصر

بقلم: 
رسّخت "دولة يوليو" منذ قيامها في 1952 أسطورة "الأجنبي العدو". ربما كان لهذا أسباب موضوعية لها علاقة بوجود عدد غير قليل من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة من ذوي أصول أجنبية.
ولعبت الاتجاهات القومية للنظام – التي اقتربت أحيانا من العنصرية – مع هذه الظروف ومع كمّ المؤامرات التي تحدّث عنها إعلام كرّس تحوّل "الأجنبي" إلى جاسوس أو منفذ مؤامرة أو مشارك في مخطط لتخريب الوطن.
ومع تغيّر أهواء النظام، واختلاف رجالاته، تغيّرت شخصية "الأجنبي العدو" ولكن ظلت صفاته ثابتة، وأيضاً استعماله كـ"شماعة" جاهزة يمكن تعليق الكثير من الأشياء عليها. فمع الانفتاح الساداتي، والاهتمام بالسياحة والتدفق الأوروبي على مصر، كان "الأجنبي العدو" يأخذ صورة الفلسطيني أحيانا أو الخليجي أحياناً أخرى، ومع عصر مبارك تحول الأجنبي "الأشقر" إلى مصدر رزق للعاملين في السياحة، فاختفت قليلا نغمة "الأجنبي العدو" ولكن تم استبدالها بتهمة "تشويه سمعة مصر" التي تم استعمالها كثيراً ضد صحافيين أجانب كتبوا عن مساوئ النظام المصري أو الكوارث التي يعيش تحت وطأتها المصريون، ولاحقت المشاريع الفنية ذات الإنتاج المشترك، وتم توجيهها بشكل رئيسي لمنظمات حقوق الإنسان المغضوب عليها من سلطة مبارك.

- 2 -

خلال الأيام الـ18 الأولى للثورة جرى استدعاء رصيد أسطورة "الأجنبي" بقوة، ليصبح كل الأجانب "أعداء"، فمن جنود "حزب الله" المنتشرين على أسطح عمارات ميدان التحرير، كما ردد الإعلام الرسمي حينها، إلى الأجانب الأوروبيين والأميركيين الذين يزرعون الفتنة في الوطن – وكانت هذه النغمة مخصصة للصحافيين الأجانب الذين لعبوا دوراً كبيراً في نقل ما يحدث في مصر للخارج - إلى جانب قوات حماس التي فتحت السجون كما ردد الإعلام الرسمي أيضاً. وساهمت تلك التعبئة في شحن الكثيرين ضد الأجانب الموجودين في مصر. واستمر الإعلام وقت حكم المجلس العسكري في اللعب على هذه النغمة، من الجاسوس الإسرائيلي إلى منظمات المجتمع المدني، مروراً بالطبع بحماس وفلسطينيي غزة.

- 3 -

مع وصول الإخوان إلى حكم مصر خفت استعمال نغمة "الأجانب". كفّ الإعلام الرسمي عن استعمال "حماس" والفلسطينيين، فتلقف الإعلام الخاص النغمة، وراح يردد كثيراً – عناداً في "الإخوان" – الحديث عن الإرهابيين القادمين من غزة ليشعلوا نار الفتنة في سيناء، والمحروقات المصدرة إلى غزة، وملابس الجيش المزورة المهربة من غزة. وهكذا تم استدعاء "الشماعة" مرة أخرى، وكانت هذه المرة أهل غزة.

- 4 -

مع اضطراب موقف مرسي وارتباكه في مواجهة الأزمات المتتابعة، استعمل نظام "الإخوان" الثورة السورية كي يحقق شيئاً من الشعبية. هكذا فتحت الأراضي المصرية للسوريين النازحين – ويعدّ هذا من أفضل قرارات مرسي – وأعلن عن غلق السفارة السورية. ولكن المسألة كانت استعراضاً إعلامياً أكثر من كونها مساعدة لأشقاء في أزمة. فعلى الرغم من إلغاء التأشيرة للسوريين، ظل القيام بأي عمل يتطلب الحصول على تصريح بالإقامة، وهو ما يتطلب الحصول على تأشيرة، ليلقي بالكثيرين في دائرة مفرغة، إلى جانب مئات الحكايات والحوادث المؤسفة عن عمليات نصب وقع ضحيتها سوريون هاربون.
وتبقى الفضيحة الأكثر خجلاً التي استعمل فيها الإسلاميون أزمة السوريين هي استغلال النساء باسم الزواج، حيث ذكرت أكثر من جهة رسمية وقوع أكثر من 12 حالة زواج من سوريات خلال العام الماضي، وبصداق لا يتعدّى 500 جنيه – أقل من مئة دولار- تحت شعار "ستر الأخوات المسلمات".

- 5 -

لم ينتبه الإعلام الخاص لكل هذا الكمّ من المآسي التي يعاني منها السوريون في مصر، ولم يهتم إلا بالقدر الذي يسمح بمهاجمة نظام الإخوان. وهكذا تم تسليط الضوء على تصريح المتحدث باسم الرئاسة السابق حول عدم وجود شبهات جنائية تجاه "المجاهدين" المصريين في سوريا، فقط من أجل "التلسين" على علاقة "الإخوان" بتنظيم القاعدة، وبدأت نبرة الإعلام العدائية تجاه السوريين عندما عقد مرسي مؤتمر "نصرة سوريا" من اجل ترميم شرعيته في أيامه الأخيرة.
ومع الاضطرابات الأخيرة، والإعلان عن القبض على عدد من السوريين ضمن مؤيدي مرسي، اندفعت طاقة كراهية وعداء تصل إلى حد العنصرية تجاه السوريين الموجودين في مصر.
وتم استدعاء كل أساطير "الأجنبي العدو" ليتم تركيبها على السوريين، لتصل أحيانا إلى حد التحريض على قتلهم، كما فعل الإعلامي يوسف الحسيني – المحسوب على التيار المدني - في مقدمة برنامجه منذ أيام.

- 6 -

آليات الدولة الإعلامية لم تتغير، وإنما توسعت، وتم تقسيمها ما بين الرسمي والخاص بأنواعه، والنظام – حتى لو تغيّرت وجوهه - ما زال يحتاج إلى "أعداء أجانب" يمكنه توجيه الغضب الشعبي ضدهم، واستعمالهم كشماعات لقصوره وعجزه.
الهجمة الإعلامية على السوريين في مصر لن تؤدي إلى طردهم، ولكنها ستؤدي إلى زيادة قسوة شروط وجودهم. الهجوم على السوريين يظهر بوضوح كيف يختفي مفهوم "الإعلام" في مصر، وكيف تحتل "الدعاية" محلّه. الهجمة على السوريين فاضحة لكمّ هائل من العداء والعنصرية تجاه الآخر. عداء وعنصرية عمل النظام على تخصيبهما طوال الوقت، من أجل استعمالهما في الوقت المناسب، لمصلحته ضد الناس.
المصدر: 
السفير