وداعاً للربيع العربي؟

بقلم: 

أن تفتح قنوات تلفزيونية مصرية موالية للنظام الجديد المجال لأصوات عنصرية تطالب بقتل السوريين والفلسطينيين في الشوارع، أو أقلّه تحرّض من طرف خفيّ على العنف ضدهم، فهذه ليست جزئية يمكن التغاضي عنها وعدّها نوعاً من الشوائب التي لا تخلو منها ثورة. هذه التصرفات، للمفارقة، تجعلنا نستذكر شباب ثورة يناير وهم يرفعون في ساحة التحرير العلَم الأطول للثورة السورية آنذاك، وتجعلنا نستذكر أيضاً مظاهرات صنعاء التي كانت تردّد شعارات تدعم السوريين في ثورتهم، ولا ننسى أن ثوار ليبيا وهم في غمرة فرحهم بسقوط القذافي رفعوا علم الثورة السورية في طرابلس.

الماضي، الذي يبدو قصياً وعزيزاً اليوم، لم يكن يؤشّر إلى عواطف وانفعالات قومية تجمع المنتفضين في هذه البلدان، لكنه في حده الأدنى كان يشي بوعي الثورة ضد الاستبداد على أنها معركة مترابطة في الإقليم؛ وعي يتجاوز الحدود الجغرافية محمولاً على مُثُل الحرية والديمقراطية أولاً. ذلك ما كان يدفعنا إلى القول بلا تردّد بوجود ظاهرة الربيع العربي، بوصفها حركة كبرى، وبالتوازي مع كونها ثورات ذات طابع وطني خالص. أما أن يتم الانقضاض على ضحايا نظام مستبد باسم الثورة في مصر فأمر يصعب نَسْبه إلى ثورات الربيع العربي، بصرف النظر عن عدم أخلاقيته بالمطلق، وبصرف النظر عن مقدار الجماهيرية التي أتت بالنظام الجديد إلى سدة الحكم.

لا يجوز التهوين من شأن التحريض على السوريين في مصر، ولا اعتباره دعوات فردية لا تمثّل سوى أصحابها، ما دامت الكتل المؤثرة في النظام الجديد لم تتخذ موقفاً صارماً إزاءه. وكما نعلم واكب النظام الجديد تلك الأصوات بتعقيد الإجراءات على السوريين الذين يقصدون مصر، في سابقة هي الأولى منذ ثورة يناير، فضلاً عن أن كتلة أساسية من جبهة الإنقاذ لا تخفي دعمها لنظام الأسد، وكان متظاهروها يرفعون صوره أثناء احتجاجاتهم على حكم الإخوان. فقط نائب رئيس الحكومة المصرية الجديدة زياد بهاء الدين عبّر عن تحفظه، في صفحته على الفايسبوك، مما سمّاه حدوث توجّس من السوريين والفلسطينيين المقيمين في البلاد، ورأى أنه لا يليق بعروبة مصر، مشيراً إلى "ظروف قاسية" تدفع البعض منهم إلى اللجوء. هكذا فحسب، من دون إشارة إلى الإجراءات الحكومية المستجدة بحق الفلسطينيين، وبلا أدنى إشارة سياسية إلى طبيعة الظروف القاسية التي يكابدها السوريون اليوم.

من غير الهامشي، بالتوازي مع ما سبق، أن تجمع ساحة التحرير شباناً مخلصين لثورة يناير مع فلول النظام القديم وممثّلي الدولة العميقة، وأن يقوم الجيش بحسم سريع لصالحهم. دور الجيش هذه المرة لم يكن استئنافاً لدوره في الثورة الأولى، إذ لم يكن حينها مشاركاً في الثورة، بخلاف مشهد 30 يونيو الذي لا تخفى رعايته له. ثم إن الكتلة الإعلامية المؤثرة في المشهد لم تنتج خطاباً ثورياً ومتسامحاً في آن، بعد عزل مرسي، بقدر ما أفسحت المجال أمام خطاب عنيف وإقصائي مقلوب للخطاب الإقصائي الإسلامي. أي أن الثورة الثانية إن جاز التعبير محاصرة بين عنفين إقصائيين هما عنف الثورة المضادة وعنف الإخوان، ولا تقوى بحقّ على أن تكون نقيضاً للاثنين، وعلى الخروج من متوالية العسكر والإخوان التي أبطلت السياسة طوال عهدي السادات ومبارك.

من البوابة المصرية قد نقول: وداعاً للربيع العربي. ففي أحسن الأحوال دخلت الثورات عهد التسويات السياسية بدلاً من التأسيس لمرحلة جديدة، وربما تكون مصر اليوم معياراً ودليلاً لجنيف 2 المقترح للأزمة السورية، مع فارق جوهري يتمثّل بعدم تمكين الثورة السورية من تحقيق إنجاز معتبر تفاوض به. 

في الواقع، عادت "الدول العميقة" والمصالح الدولية الكبرى لتطغى على أصوات الشعوب، وتفرمل تطلعاتها بالتشارك مع الإسلاميين الذين أثبتوا أنهم أفضل عدو يخدم مصالح الطرف الأول. الانتقام من السوريين والفلسطينيين في مصر والتحريض عليهم ليسا سوى دليل عجز بتحويل النقمة عن مسارها الأصل، وفوق ذلك تلبية لما تبتغيه الدولة العميقة من انطواء على الذات وعدم التعاطف مع ضحايا الاستبداد. هذا ينذر بعدم رسوخ ثقافة الربيع العربي وبطيّ صفحته سريعاً، على رغم أن التفاؤل يدفعنا إلى القول بأن ما بعد الربيع العربي لن يكون كما كان قبله.   

المصدر: 
موقع المدن