«حماس» والأزمة المصرية... السيناريوهات المتوقعة

بقلم: 

تداعيات الأزمة المصرية اذا اتفق على تسميتها " بالأزمة " لأن نتائج ما جرى من تنحية الرئيس محمد مرسي وحكم الإخوان المسلمين الذي استمر زهاء العام ، وبمعزل عن اية ملاحظات حول استبداديه تلك الفترة أو ما سمي باختطاف الدولة المصرية لصالح جماعة أو حزب سياسي ، هذه التداعيات التي استخدم مصطلح "الزلزال " لوصفها والارتدادات التي من المتوقع أن يمتد صداها ليشمل ما هو خارج حدود مصر الدولة إلى الدول العربية..

ومن هنا فإن هذا التوصيف قد يكون مؤقتا ولا يخدم سيرورة العملية ككل واستشراف معالم الصورة الكلية بعد ، وما قد تتمخض عنه على المستوى المصري الداخلي او الاقليمي بشكل عام .

ولو عدنا قليلا للوراء على مدى الايام الماضية فإننا سنرى بوضوح ان الكل استل قلمه وخاض في صورة ما ستؤول اليه الاوضاع في مصر ، كما سنجد ان التباين في التحليل بين من يرى فيما حدث بأنه استمرار لثوره 25 يوليو ، وباعتباره إجراء إجباريا لتصحيح مسار الثورة وانقاذ البلد الغارق في ازمات متتالية على مستوى الاقتصاد والعلاقات الخارجية والامن الداخلي ، وحتى طبيعة العلاقات الداخلية التي تدهورت بشكل لافت في الآونة الاخيرة لتصل الى حافة الفوضى. ومن يدعي ان ما جرى هو انقلاب على الشرعية الدستورية وصندوق الاقتراع الذي اوصل جماعة الاخوان الى سدة الحكم ، وما بين الشرعية الثورية المستمدة من الشارع ورغبة الناس في التغيير بقوة الملايين التي خرجت «اكثر من 20 مليونا» وقوة ( القانون) او الدستور بون شاسع.

لكن المؤكد في هذا الجانب مسألتين ان ما جرى لم ينته بإسقاط حكم الاخوان اولا ، وان الامتداد والانعكاس سيطال دولا في الاقليم والمحيط العربي وتحديدا الفلسطيني .

وهنا مربط الفرس كما يقال فالتأثيرات المباشرة والملموسة ستنعكس على مسألتين ايضا ، تتعلق بالشأن الفلسطيني الاولى قضية المصالحة فالخروج من الدوامة التي تعيشها الشقيقة مصر ستشغلها عن الجهود لتحقيق المصالحة واستعادة الوحدة الفلسطينية ولن يكون باستطاعتها على المدى المنظور ان توليها الاهمية الكافية رغم وجود الرغبة الاكيدة للعب الدور الطبيعي بما يمثله ثقل مصر في انجاز المصالحة لكن الظروف الموضوعية و الذاتية معا ستجعل الامر في غاية الصعوبة ، بما في ذلك تأثيرات زوال حكم الاخوان على طرفي الصراع فتح وحماس في معادلة التوازن والحفاظ على المسافة الواحدة بين مواقف الفرقاء في الساحة الفلسطينية..

لكن الاهم هو ما يتعلق بالحدود مع قطاع غزة من جهة ومستقبل العلاقات الفلسطينية المصرية من جهة اخرى فمنطقة سيناء وما تشهده من ازدياد الهجمات في الايام القليلة الماضية ستترك تداعيات ربما تمس الجغرافيا القائمة في تلك المنطقة على المدى البعيد .

حركة حماس التي ربطتها مع حكم الاخوان علاقات وطيدة رغم بعض الاختلافات الشكلية من فترة لاخرى ومع جماعة الاخوان في الاردن ايضا ستكون اكثر المتضررين بالنتائج الناجمة عن التغيير الذي شهدته مصر بعد 30 حزيران ، وهي اي حركة حماس لا تعيش في افضل حالاتها ولم تكن كذلك حتى قبل التغيير الذي اطاح بحلفاء الحركة في القاهرة ، فنظام الحكم في غزة المحاصرة والاوضاع اليومية كلها مؤشرات واضحة على تصدع ما في بنيان حماس كحركة حاكمة.

السيناريوهات المتوقعة على ضوء ما يجري في مصر ووفقا لكل تطور ميداني فيها يمكن حصرها في ثلاثة سيناريوهات ارتباطا بالتحولات الاقليمية عموما اولها ان يجري ارغام حماس امام ضغط القيادات العسكرية «حلبة المواجهة» كمخرج لكل الحالة الراهنة وللاطراف كافة - اي الى ما تريده اسرائيل وتبيت له عبر تصريحات قياداتها ومنهم ليبرمان وغيره حول إعادة احتلال قطاع غزة ، والمناورات المتواصلة التي تجريها اسرائيل استعدادا لاي مواجهة قادمة على الحدود الجنوبية او الشمالية او كلاهما معا بالاضافة لجبهة الجولان ايضا.

لكن قد تكون غزة هي الملعب المفضل في هذه المعادلة ، ودلالة على ذلك علينا قراءة ما صرح به احد ابرز القيادات العسكرية في الجيش الاسرائيلي من ان حماس تعمل بصمت لتطوير صواريخ بمقدورها ضرب العمق ومنطقة الوسط وهو ما يندرج في اطار المساعي والدعاية المتواصلة للتحضر لعملية عسكرية ضد قطاع غزة - بمعنى ان تقوم اسرئيل باختلاق مناوشات محدودة برا او بحرا يتسع نطاقها الى حالة الحرب والمواجهة المفتوحة مرة اخرى..

وبميزان الربح والخسارة فإن خريطة تحالفات حماس التي تقلصت بعد ازاحة مرسي ستعود باتجاه المحور ايران سوريا حزب الله بعد القطيعة التي سادت هذه العلاقات في اعقاب الموقف من الملف السوري ، وبذات الحساب فإن حماس معنية برفع اسهمها في الضفة الغربية عربونا لاية انتخابات قادمة قد تجري في الاراضي الفلسطينية في اطار الحفاظ على مكانتها في الشارع الفلسطيني الذي شهد بحسب الاستطلاعات الاخيرة تراجعا ملحوظا في حجم تأييدها.

السيناريو الثاني هو الذهاب عكسيا اي بالاتجاه الآخر والنقيض، فالحركة التي تمر بمخاض وربما التي شارفت على ان تكون جاهزة للسير نحو البراغماتية بحسب بعض التصريحات بما فيها لخالد مشعل نفسه وما تناقلته وسائل الاعلام عن لقاءات جرت مع جهات اوروبية وامريكية وحتى اسرائيلية لادخال الحركة في القفص الذهبي للعملية السلمية ، وتصريحات اخرى تشير بصراحة الى استعداد حماس للتفاوض في اطار عملية سلمية – بمعنى آخر المقايضة على غض الطرف عن ابقاء حكم حماس في غزة ورما توسيع منطقة النفوذ وفق ترتيبات مستقبلة وتكون بذلك بديلا للاستقلال الوطني الذي دفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا له طوال سنوات..

وهو سيناريو بات متوقعا ولا يبنى على تنبوءات واوهام وانما تحليلات وطروحات حقيقية يجري نقاشها في اروقة صنع القرار في اسرائيل منذ مدة طويلة وهي في نهاية المطاف تضاف الى ما يجري من تغيرات تطال خريطة دول عديدة ضمن التقسيمات المتوقعة للوطن العربي تقسيم المقسم والبحث عن انشاء دول اثنية او عرقية على انقاض الدول القومية القائمة.

واما السيناربو الثالث فهو ان تذهب حماس تحت ضغط ما جرى وامام التطورات الراهنة والوضع في غزة على وجه الخصوص الى استخلاصات جريئة وعميقة لصورة الوضع ومدى خطورته فتبادر الى اخذ زمام المبادرة وان تتحرك فعلا وبشكل جدي وسريع لعقد لقاء مع قيادة منظمة التحرير لانهاء الانقسام بخطوات جدية ، العودة للطاولة ليس للحوار وانما لخطوات ووضع آليات انهاء الانقسام والذهاب للانتخابات العامة رئاسية وتشريعية ومجلس وطني حيثما امكن ، وهي خطوات ينتظرها الشارع الذي انهكه الانقسام منذ زمن بعيد لاسدال الستار على صفحة الانقسام البغيض..

المصدر: 
القدس