تطبيع مركّب

بقلم: 

في السابق، كانت اللقاءات التطبيعية مع العدو الصهيوني تتم سراً وبعيداً عن أعين الإعلام، وكان المطبعون يخشون افتضاح أمرهم، وغالباً ما يتم كشف هذه اللقاءات من خلال الإعلام “الإسرائيلي” على وجه التحديد . اليوم باتت تدور جهاراً نهاراً وعلى مرأى ومسمع من الجميع ومن دون خجل أو شعور بالعار كما اللقاء الذي جرى أخيراً في مدينة رام الله، وتحديداً في مقر منظمة التحرير الفلسطينية بين قيادات في السلطة وأعضاء في حزبي “ليكود” و”شاس” الصهيونيين المتطرفين . وبعد أن كانت اللقاءات في السابق تقتصر على يساريين ونشطاء سلام، تجرأ المطبّعون لتجاوز ذلك إلى “لقاءات حميمية” مع عتاة التطرف من المستوطنين .

هذه اللقاءات، مهما كانت ذرائعها، فإنها تشير إلى حالة الاستماتة ممن يقفون وراءها لكسب ود الاحتلال وراعيته أمريكا والدخول في مفاوضات عبثية مجرّبة لا طائل منها، حتى لو كان ذلك على حساب الدم الفلسطيني وعذابات الأسرى وأنّات الجرحى وصرخات الأمهات الثكالى، لأن ذلك يصب في مصلحة القائمين على ما تسمّى “مبادرة جنيف” التي عفا عليها الزمن، وحدهم ومن دون غيرهم .

لكن الغريب أن تتم هذه اللقاءات في مقر منظمة التحرير رغم تأكيد السلطة موقفها الثابت من استحقاقات الدخول في المفاوضات . وطالما أن الحكومة “الإسرائيلية” ترفض تنفيذ أي من الاستحقاقات، بل إنها تمعن في العدوان على الشعب الفلسطيني، فكيف لمجرد أعضاء في “ليكود” و”شاس” أن يغيروا من طبيعة المشهد، خاصة أنهم داعمون رئيسون لقتل الفلسطينيين وعربدة المستوطنين والنهب الاستيطاني؟

ولنتذكر أن الأب الروحي ل”شاس” ومُنظّرها، عوفاديا يوسف، دعا مراراً وتكراراً إلى قتل الفلسطينيين وإبادتهم وسبي نسائهم، وشبههم في أكثر من مناسبة ب”الدود والثعابين” الواجب التخلص منها، فمن غير المفهوم أن يدعو أحد المسؤولين الفلسطينيين الكبار، خلال اللقاء، بالشفاء العاجل لهذا المتطرّف العنصري المتعالي . كما أن رأس “ليكود” بنيامين نتنياهو الذي يرفض حتى إطلاق 40 أسيراً مغيّبين في السجون منذ أكثر من عشرين عاماً ويواجهون الموت المحقق بسبب الأمراض المزمنة التي حولّتهم إلى هياكل عظمية، فكيف له أن يستجيب لتطلعات الشعب الفلسطيني؟

هذا الواقع يثبت أن هناك انسلاخاً لبعض المسؤولين الفلسطينيين عن شعبهم وعن الواقع الفلسطيني الأليم، حيث تتصاعد الجرائم الصهيونية على المستويات كافة، وتتزامن مع تصاعد وتيرة تهويد القدس واستباحتها وتدنيسها وتعمد تكثيف ذلك خلال شهر رمضان الفضيل، من دون أن تنبس لهؤلاء المسؤولين بنت شفة .

وعلى الجانب الآخر، كان مفاجئاً أكثر أن يلقي أحد الوزراء الفلسطينيين السابقين خطاباً من على منصة “الكنيست” الصهيوني في القدس المحتلّة وعلى مرمى حجر من مكانه تستعر وتيرة تهويد المدينة واستباحتها والحفر تحتها ومصادرة الأراضي لمصلحة المشاريع الاستيطانية، ويتبجح بل يتملّق لزعامات المستوطنين أن مفاوضات سريّة عقدت بين مسؤولين فلسطينيين و”إسرائيليين” في بيت رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو .

هذا الواقع يجب أن يتغيّر وأن يكون للشعب الفلسطيني المغيّب كلمته في مثل هذه التجاوزات، لأن كل ما يدور سيتحمّل هو تبعاته .

المصدر: 
الخليج