قبل أن نمحو غزة من الوجود

بقلم: 

من غزة جاءني صوته عبر الهاتف عصبيا غاضبا لم يبادرني بالسلام والتحية كالعادة ولكنه أنفجر قائلا: هل تريدون محو غزة من الوجود اذا فلتمحوها فلقد كفرنا بكم وبكل العرب والمسلمين.

لقد جعلتم منا شياطين تحملوننا المسؤولية عن كل ما يواجهكم من صعوبات ويحدث لكم من مشكلات ولم يعد لإعلامكم عمل سوى إظهار كل سكان غزة وكأنهم تكفيريين وقتلة لا يفعلون شيئا في حياتهم سوى التآمر على مصر ".. بعد أن افقت من صدمة حديثه الغاضب حاولت أن اهديء من روعه لأني أعرف جيدا أن محدثي هاديء الطباع لا يثور إلا عندما يفيض به الكيل وهو يعشق مصر حتى الثمالة لدرجة أن بيته مملوء بكل ما هو مصري ولا تزين جدرانه سوى صور النيل وعبد الناصر والأهرامات وعبد الحليم حافظ.

بعد أن انتهت تلك المكالمة الغاضبة جلست أتذكر كم المرات التي حدثني فيها صديقي الغزي تلفونيا ليطمئن مني على أن ثورة المصريين في الثلاثين من يونيو ضد حكم الأخوان المسلمين ستنجح وتذكرت مدى فرحته بخروح الملايين إلي الشوارع في ذلك اليوم وكيف كان صوته راقصا وهو يحدثني بعد قرار إقالة الرئيس المعزول محمد مرسي رغم أن هذا الصديق ليس فتحاويا ولا ينتمي لأي فصيل ولكنه كان كأغلبية الغزيين يعتقد أن مصر اكبر من ان يحكمها ويتحكم فيها فصيل واحد.

ولم تكن تلك المكالمة الغاضبة هي الوحيدة التي أسمع فيها شكوى أهل غزة من الإعلام المصري بل تكرر الأمر معي عشرات بل مئات المرات تارة عبر التلفون وتارة عبر الفيس بوك وثالثة عبر البريد الإلكتروني.. فقد نجح إعلامنا الهمام في تحويل فرحة غزة بثورة 30 يونيو إلى كابوس وذلك عندما أصبح ينسب كل كارثة في سيناء إلى غزة عن جهل لان الغالبية العظمى من سكان القطاع فرحوا بالإطاحة بحكم الأخوان المسلمين في مصر أكثر منا معتبرين أن هذا الأمر سيدفع حركة حماس في النهاية لقبول المصالحة مع حركة فتح بعد أن كانت تستقوي بجماعة الأخوان المصرية بل أن بعض الغزيين وزعوا الحلوى على اقاربهم ومعارفهم عند الإطاحة بمرسي مثلما وزعت حماس الحلوى عند فوزه في الانتخابات.

وللحقيقة والتاريخ أقول انه حتى بالنسبة أيضا للقيادة السياسية لحماس فأنها حاولت ولو مضطرة للنأي بنفسها عما يحدث في مصر وسعت رغم حزنها على الإطاحة بمرسي وأخوانه للوقوف على الحياد لأنها لا تريد ان تتأزم علاقاتها المستقبلية مع الجيش المصري بشكل خاص وأخص من تلك القيادة السادة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة ونائبه إسماعيل هنية رئيس الوزراء والدكتور محمود الزهار والذين يعتبرون الأمن القومي الفلسطيني جزءا لا يتجزء من الأمن القومي المصري وغيرهم ولكن خطأ تلك القيادة أنها لم تستطع أن تحكم تماما السيطرة على العناصر الميدانية الاكثر تشددا في كتائب القسام الجناح العسكري للحركة والجماعات الجهادية السلفية المتطرفة مثل جلجلت وجيش الإسلام وجيش الأمة الذين تشبعوا بالأفكار الوهابية ويعتبرون أن مرسي وأخوانه يخوضون معركة بقاء ضد علمانيين كفار حيث أستغل هؤلاء المتشددين كثرة عدد الأنفاق بشكل يصعب مراقبتها جميعا في التسلل لسيناء وتقديم الدعم للتكفيريين الذين يحاربون الجيش المصري هناك بزعم الدفاع عن الإسلام.

أن المطلوب من الإعلام المصري ان يفرق بين غزة وحماس بل مطلوب منه أن يفرق بين حماس والعناصر الأكثر تطرفا فيها لأن الغالبية العظمى من أبناء القطاع وحتى أبناء حماس يعشقون مصر كما نعشقها نحن المصريون بل أن الكثيرين منهم يتباهون أنهم من أصول مصرية وهم يكرهون من يكره مصر حتى من أبناء جلدتهم ولا يمانعون في معاقبة من يثبت تورطه في الإضرار بالأمن المصري أو حتلا التدخل في الشأن الداخلي لأرض الكنانة ولذا فإنهم غاضبون أشد الغضب من ظلم الشارع المصري لهم منقادا خلف إعلام لايفرق بين الغث والثمين وهنا فان الثمين هو أهلنا في غزة أما الغث فهم التكفيريين الذين لاتفرق رصاصات جهلهم بين المصري والغزي.

المصدر: 
الأهرام