غزة ومصر: بين التوريط والزج

بقلم: 

ليس صدفة أن تكون غزة في قلب النقاش المصري الداخلي منذ اللحظة الاولى لتفجر الأزمة مع سقوط نظام مبارك عقب ثورة يناير، فالارتباط التاريخي والجغرافي بين القطاع وبين مصر كان دائماً وثيقاً منذ الحكم المصري للشريط الساحلي الوحيد المتبقى من فلسطين بعد النكبة وما تبع ذلك من علاقات؛ ربما أهمها كون معبر رفح البري مع مصر هو منفذ القطاع الوحيد الى العالم الخارجي في ظل منع سكان القطاع من استخدام معبر بيت حانون (إيرز). كون الشيء ليس صدفة لا يعني أنه مقبول. فالطريقة التي وجدت غزة نفسها في هذا النقاش لم تكن حميدة، ولا كانت غاياتها كذلك ولا وسائلها.

لم تنتج هذه الحالة من فراغ بالطبع، بل هي تعكس علاقات وتراكمات ومصالح ومواقف، كما تصريحات وخطبا وبيانات. لقد شهدت السنوات الثلاث الماضية مستويات مختلفة في علاقة القطاع بمصر حكمها بالطبع حقيقة سيطرة الإخوان المسلمين على نظامي الحكم في المنطقتين. فحماس الذراع الإخوانية الفلسطينية تحكم قطاع غزة، كما أن الإخوان يحكمون مصر ليس منذ فوز الرئيس السابق مرسي بالانتخابات في حزيران العام الماضي ولا حتى منذ هيمنة الإخوان على مقاعد مجلس الشعب منذ بداية 2012 وبعد ذلك مجلس الشوري، بل منذ سقوط مبارك وظهورهم كقوة رئيسة في السياسة المصرية وفي التقرير بمستقبلها. هذه الحالة خلقت مجالاً واسعاً للتفاعل، للأسف كان في محصلته سلبياً.

علينا التمييز بين توريط غزة في الأزمة المصرية وبين محاولات الزج بها في أتون هذه الأزمة. فالتوريط للأسف ينبع من اجتهادات وتصرفات ذاتية يقوم بها بعض الأطراف الفلسطينية مسوقا بتبريرات كثيرة وبدوافع متباينة لكنها في المحصلة تقود إلى نتيجة ضارة. أما الزج فوراءه بعض الأطراف المصرية خاصة من الإعلاميين الذين يروق لهم تخيل أن غزة وراء كل ازمات مصر وأنه لولا تدخل بعض اطراف غزة لما حدث لمصر أي شيء. والنتيجة أن قطاع غزة وسكانه عليهم ان يدفعوا فاتورة هذه الاخطاء والمشاعر غير السليمة للطرفين، وأن يتحملوا الاجتهاد الخطير للبعض ومحاولة البعض الآخر ان يرمي بأزماته على غيره. اما الحقيقة فهي شيء آخر.

بعبارة بسيطة انتقل الصراع المصري في جزء منه إلى غزة، دون وجه حق، ودون أن يكون لسكان غزة البسطاء أي تقرير في ذلك، ودون ادنى اعتبار لحقيقة الموقف الفلسطيني من النقاش المصري الداخلي، ولا دون التفاتة لحقيقة المصالح الحيوية للشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة. تصرفات طائشة غير محسوبة، واجتهادات، ربما، في غير محلها من قبل بعض الأفراد وربما بعض التنظيمات. توهم أيضاً لا محل له من الإعراب من قبل بعض الإعلاميين المصريين لا يعبر عن حقيقة الموقف المصري الرسمي أيضاً. كل هذا جعل غزة تقع بين فكي الكماشة وكأنه مطلوب منها أن تدفع ثمن الأزمة المصرية وتتحمل أي نتائج غير مرغوبة لها.

بداية لقد تميزت السياسة الفلسطينية تاريخياً بارتكازها، حين يتعلق الامر بالشؤون العربية، على عدم التدخل في هذه الشؤون وبالوقوف على الحياد ليس لعدم وجود موقف أخلاقي للفلسطينيين تجاه هذه القضايا، بل لأن طبيعة الأزمة الفلسطينية وضرورات المصلحة الوطنية تقتضي أن لا يكون الفلسطينيون طرفاً في أي صراع غير ذلك الذي مع العدو المركزي الذي التهم أرضهم وصادر حقوقهم. وعليه فإن هذا الفهم حكم مواقف الفلسطينيين بشكل حاد، دون أن يعني هذا تبرئة للدول العربية من مسؤولياتها القومية تجاه فلسطين.

ما حدث في مصر ليس شاناً فلسطينياً، بل مصرياً بامتياز، وفلسطين ليس لها إلا أن تكون مع مصر وخير مصر. وإن أراد أحد أن يترجم هذا القول فهو يذهب لمساندة الإرادة الشعبية المصرية دون تردد. لأن مصر هي الدولة العربية الأكثر انشغالاً بالقضية الفلسطينية حتى لا يكاد بيت او شارع في مصر يخلو من ذكريات حروب فلسطين، ولأن مصر الوحيدة التي حافظت على اسم فلسطين بعد النكبة حين حافظت على قطاع غزة باسمه الحقيقي "فلسطين – قطاع غزة".

ولأشياء كثيرة تبدأ بعبد الناصر والجيش المصري ولا تنتهي بالأنفاق وتخفيف الحصار عن غزة.

هذا يتطلب أن يتم وضع حد للمواقف والتصرفات التي لا تعبر عن الإرادة الشعبية الفلسطينية ولا تترجم مصالح الشعب الفلسطيني. صحيح أنه لم يصدر عن حماس أي موقف رسمي تجاه الأزمة المصرية، وصحيح أن المشاعر قد تكون قوية في ذلك بسبب الرابط الإيدلوجي، لكن ثمة تصرفات لا حاجة لها حتى لو كانت شكلية أو نابعة من بعض الأفراد أو الجماعات، ويجب وضع حد لها.

إلى جانب ذلك يجب نبذ أي تصرفات يمكن لها ان تفسر أنها مساندة لاستمرار الازمة في مصر. مثلاً لا يوجد عاقل يمكن له أن يكون مع رفع صورة مرسي فوق أسوار الاقصى ليس لأنه لم يفعل شيئاً للقدس فحسب حتى على صعيد التصريحات اللفظية (ألم يحدث العدوان الاخير على غزة في عهده!!)، وليس لأن في رفع الصور توريطا لفلسطين في نقاش مصري لا علاقة لها به، بل من أجل مليون سبب إلى جانب ذلك. وحتى لا يقع البعض في مقاربات غير سوية وغير عادلة، فإن شهداء فلسطين كرمهم شعب فلسطين وسكان القدس بأعظم من ذلك فصورهم ليست فقط على الجدران وفي فصول المدارس وداخل كشاكيل الصبية بل أيضاً في القلوب لا يغيبون.

وعليه فثمة حاجة كي يخرج الكل الفلسطيني، خاصة في غزة، بموقف موحد تجاه الأزمة بمصر قائم على عدم التدخل وعلى مساندة استقرار وأمن مصر وسيادتها. ويمكن لبيان مشترك للفصائل الفلسطينية كافة بعد عقد اجتماع، ان يشكل مقاربة اولوية لاعادة توجيه البوصلة الفلسطينية واعادة موضعة الموقف الفلسطيني ضمن النسق الصحيح. يكون من تبعاته عدم وضع وسائل الإعلام الفلسطينية طرفاً في الأزمة المصرية.

المصدر: 
الايام