"بتسليم" تعيد الشاشات الى فلسطين

بقلم: 

صراخ طفل في الخامسة، لم يمنع قوات الإحتلال الإسرائيلي من إعتقاله. يحاول الطفل الفلسطيني وديع مسودة أن يتمرد على قرارات جنود الإحتلال. يصرخ. يتمنّع. ينتفض. يعبّر عن خوفه بدموعه. يبذل جهداً ليفلت من قبضتهم. لم يستطع. يشده جنود الإحتلال، رغماً عنه الى سيارة عسكرية، ومنها الى منزل والديه، قبل أن يُجبر، ووالده، على التوجّه الى مركز عسكري. 

القصة بأكملها، وثّقها مقطع فيديو صُوّر في الخليل بجوار الحرم الإبراهيمي. لم يتضح ما اذا كانت أي من المحطات التلفزيونية بثته قبل أن تثيره منظمة "بتسليم" الحقوقية الإسرائيلية. لكن فور إثارته، تصدر الفيديو، وقضية الطفل الفلسطيني، الأنباء العربية. عاد الحدث الى فلسطين. كما عادت بعض وسائل الإعلام العربية الى الأراضي المحتلة، بعدما سحبتها الأحداث الساخنة في مصر وسوريا منها. بث الخبر ضمن معظم نشرات الأخبار التلفزيونية العربية. بعضها خصص لها تقريراً خاصاً. قناة "العربية" عرضت تقريراً تجاوز الدقيقتين. أما القنوات الممانعة، فكان الخبر قضيتها. لم يخفف وهجه عنها، إلا الصمت العربي عن إدانة إعتقال الطفل. ولعل إدانته من قبل منظمة حقوقية إسرائيلية، منحه هذا الزخم التلفزيوني العربي، الممانع منه والمعتدل. 

وأظهر مقطع فيديو سجلته منظمة "بتسليم" الإسرائيلية، واقعة إعتقال الطفل وديع مسود الذي أخذ يبكي ويحيط به جنود العدو في أحد شوارع الخليل، وإقتادوه بعد ذلك إلى سيارة عسكرية. وقالت "بتسيلم" إن تعامل قوات الاحتلال مع الطفل الفلسطيني غير قانوني لأن سن "المسؤولية الجنائية في إسرائيل وفي الضفة الغربية هو 21 عاما". 

وأعاد هذا الفيديو، الحدث الفلسطيني الى دائرة الإهتمام. كان المشهد الفلسطيني إنسحب عن بعض الشاشات العربية، لصالح المشهدين السوري والمصري. أخبار فلسطين، كانت تمر مرور الكرام على معظم الشاشات، باستثناء الممانعة منها. "الميادين" و"المنار"، بقي الحدث الفلسطيني أولوية على شاشتيهما. الأجندة السياسية، في سائر المحطات، تحيط بالحدث المرئي. كل الشاشات تلتزم أجندتها في وقت السكون. ولحظة وقوع الحدث، يدخل الجميع دائرة الحدث الواسعة.

وخبر الطفل مسودة، كان حدثاً بحد ذاته. لم يشبه نبأ مقتل مقاوم فلسطيني. أو هدم بيت فلسطيني، أو التخطيط لناء آلاف المستوطنات. قصته المصورة في فيديو يتجاوز الدقيقتين، جعلته في موقع التقدير التقريري. فضلاً عن عمره، والجدل الحقوقي الإسرائيلي والفلسطيني حول إعتقاله، ووقوع الحدث نفسه في قلب المدينة المحتلة في الخليل، التي كنت هادئة نسبياً طوال الفترة الماضية. 

إضاءة إسرائيل على القضية، عزّزت الإهتمام بالحدث. مصادر المعلومات، إيحاء مباشر للإضاءة على خبر. قبل احتجاز الطفل مسودة، بتهمة رمي حجر على شرطي إسرائيلي، لم يكترث أحد لتقرير حقوقي فلسطيني. أظهر الأخير الصادر عن دائرة "إعلام الطفل" في وزارة الإعلام الفلسطيني، أن الإحتلال الإسرائيلي إعتقل 25 طفلاً فلسطينياً من الضفة الغربية المحتلة خلال الأسبوعين الماضيين. مرّ الخبر مرور الكرام على المحطات العربية. بعضها تجاهلته، رغم وروده على وكالات أجنبية. وفي قضية الطفل وديع مسودة، أعادت منظمة "بتسليم" الشاشات العربية الى فلسطين. المصدر يصنع أهمية الحدث، حتى لو كان خبر منوعات. 

 

المصدر: 
المدن