استراتيجية الضم الإسرائيلية الهادئة.. الانتفاضة التالية

بقلم: 

كان هناك في العامين ونصف العام الأخيرة في الشرق الأوسط، والمعروفة عموماً باسم "الربيع العربي" ثقب ظاهر في المنتصف؛ لم تكن هناك انتفاضة كبيرة كاملة خلال هذا الوقت، والتي يقوم بها الفلسطينيون في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل.

وتشكل هذه الحقيقة شاهدا على تدابير السيطرة الإسرائيلية القاسية والفعالة، والتي تتوافر على مؤسسة أمنية تبزّ أي جهاز مخابرات في العالم العربي. ويشكل موقف الفلسطينيين في وجه إجراءات السيطرة هذه مزيجا من اليأس والتعرض للردع.

لقد كان الفلسطينيون هناك، وفعلوا ذلك، من خلال انتفاضتين عرفتا باسم "الانتفاضة الأولى" و"الانتفاضة الثانية" في تاريخهم الحديث. ولديهم كل مسوغ لتوقع أن يكون الردّ الإسرائيلي على انتفاضة ثالثة -خصوصا على ضوء توجه السياسة الإسرائيلية منذ الانتفاضتين السابقتين- في شكل قمع وضغط أكثر شدة وقسوة من أجل الاحتفاظ بعوامل السيطرة، وعدم فعل أي شيء للمضي في اتجاه تقرير المصير للفلسطينيين.

ويستطيع الفلسطينيون رؤية أنه رغم بعض التآكل في الدعم الدولي، والذي ما فتأت الحكومات الإسرائيلية تعول عليه، فإن ثمة إشارات ضئيلة تشير على أن ردود فعل المجموعة الدولية، والأهم من كل ذلك الولايات المتحدة، ستكون مختلفة بشكل ملحوظ في المرة التالية. فحكومة بنيامين نتنياهو -وبعض عناصرها متشدد تماماً في ذلك، تنوي بوضوح الاحتفاظ بالضفة الغربية إلى أجل غير مسمى. وتستمر هذه الحكومة في انتهاج برنامج الاستعمار الذي يضع حل الدولتين أبعد من إمكانية الوصول إليه، ولا تظهر أي علامة على الخوف من أي ضغوط من العالم الخارجي، وخصوصا من الولايات المتحدة -حتى مع الانتباه الدولي الكثيف الذي قد تجلبه انتفاضة جديدة.

ومع ذلك، فإن أيا من هذا لا يغير حالة عدم الاستقرار المتأصلة في سياسة إخضاع الفلسطينيين. وما تزال ممارسات الإذلال، والكلف الشخصية الثقيلة، وزيادة أعباء الحياة اليومية وكبت التطلعات الوطنية، جزءاً من تلك الحقيقة. وتميل ردود الأفعال الإنسانية على هذه الحالات لأن تصبح أكثر عاطفية، ومواضيع لغضب وضيق أكبر، أكثر من كونها عملية حساب هادئ لردود فعل الخصم المتوقعة.

وهكذا، ربما يكون اندلاع انتفاضة جديدة مسألة وقت فقط. أما كم من الوقت ستحتاج حتى تنفجر، فأمر يعصب التنبؤ به، لأن توقيت نشوء الانتفاضات العفوية التي تتوفر مكوناتها في المكان أصلاً يبقى دائماً أمراً عصياً على التنبؤ. لكنه يمكن القول، كنقطة مرجعية، إن سبعة أعوام مرت بين نهاية الانتفاضة الأولى واندلاع الثانية. ولم تفض الانتفاضة الثانية إلى نهاية قاطعة فاصلة، لكنها ثماني سنوات مرت الآن منذ اضمحلالها.

يراجع تقرير حول حالة عدم الاستقرار في الأراضي المحتلة، والذي نشرته الشهر الماضي مجموعة الأزمات الدولية بعض هذه الوقائع. ولا يقول التقرير إن هناك انتفاضة جديدة على وشك التفجر، لكنه لاحظ العديد من الظروف التي تهيئ لتفجر انتفاضة، والتي توجد الآن، موضوعياً: السخط السياسي؛ وفقدان الأمل؛ والضعف الاقتصادي؛ والعنف المتزايد؛ وإحساس قوي بأن التعاون الأمني مع إسرائيل يخدم المصلحة الإسرائيلية وليس الفلسطينية.

تحتاج القوى الخارجية، وخصوصا الولايات المتحدة، إلى أن تكون مستعدة لانتفاضة فلسطينية جديدة عندما تحدث في نهاية المطاف. وهي تحتاج أيضاً إلى أن تكون مستعدة لرد الحكومة الإسرائيلية الذي سيقرن الحملة على الأرض بإعلانات تقول إنه لا يمكن القيام بأي شيء، أو لا يجب القيام بشيء في خضم هذه الفوضى بخصوص المضي في اتجاه تحقيق تقرير المصير للفلسطينيين.

وسيكون الطريق نحو الحد الأدنى من المقامة السياسية هو مهمتنا مرة أخرى من الناحية العملية إزاء الموقف الإسرائيلي، بينما يتم تقديم خدمة كلامية عن الحاجة إلى دبلوماسية تعمل باتجاه خلق دولة فلسطينية.

سوف يكون الطريق إلى المقاومة السياسية أكبر وهو الطريق الصحيح الذي سيخاطب الأسباب الكامنة وراء حالة الاضطراب. وسيحدد ذلك الطريق صراحة أن اتباع المثال الإسرائيلي سيعني أنه لن يكون هناك وقت مناسب أبداً للتحرك قدما بكل ما في الكلمة من معنى نحو إقامة دولة فلسطينية. وسيعترف ذلك الطريق بأنه إذا كانت هناك أزمة شرعية في الكيانات السياسة الفلسطينية (وهو ما تجسد أحدث ما يكون في سلسلة استقالات لرؤساء وزارات السلطة الفلسطينية)، فإن ذلك يعود في جزئه الضخم لحقيقة أنه حتى لو كان لدى الفلسطينيين قادة قادرون، فقد اقتصر دورهم في الغالب على المساعدة في حمل المسؤوليات الأمنية والإدارية عن إسرائيل كقوة احتلال. كما أنه سيعترف بأنه إذا كان الفلسطينيون منقسمين بين فصيلين سياسيين متنافسين؛ فتح وحماس، فإن ذلك يعود في جزئه الضخم إلى قيام إسرائيل بكل شيء ممكن للحيلولة دون تحقيق المصالحة بين هذين الفصيلين.

سيكون من شأن سلوك الطريق السياسي السهل أن يعد المشهد لقيام انتفاضة رابعة وأكثر. ويبدو أن القادة الإسرائيليين الحاليين يعتقدون بأنهم سيستطيعون التعايش باسترخاء مع هذا الاحتمال. وهم يرون في الاضطرابات الفلسطينية بين الحين والآخر كلفة للقيام بالعمل، والعمل في هذه الحالة هو دمج كامل الضفة الغربية في إسرائيل الكبرى في نهاية المطاف، وبشكل أبدي.

بدلاً من ذلك، يجب على الولايات المتحدة إيلاء الاهتمام لأمرين مهمين: كيف سيكون الحل النهائي العادل لهذا الصراع المستمر منذ أمد طويل؛ وعلى نحو خاص، ما الشيء الذي يصب في مصالح الولايات المتحدة -التي تسير في وجهة مختلفة كثيراً عن هدف الحكومة الإسرائيلية التي تفضل حيازة الأرض على تحقيق السلام.

المصدر: 
ناشيونال إنترست