ثورة 30-6 تضع حركة "حماس" أمام خيارات صعبة

بقلم: 

مهمة الدول في التعاطي مع القضايا الدولية هي دائماً أسهل من تعاطي الحركات السياسية في مواءمة أوضاعها فيما تتطلبه الظروف الجديدة، فيكفي أن تقوم باستبدال حكوماتها بحكومات جديدة تتبنى سياسات مغايرة لما كانت عليه الحكومات السابقة لتنال الرضا من قبل الخصوم السياسيين في الخارج، وهذا ما فعلته دولة قطر على ما أظن حين استبدلت "الحمدين" بالأمير تميم عندما وجدت أن الرياح الإقليمية والدولية جاءت بما لا تشتهي سفنها أو ربما نصحت أميركيا، فقررت الخروج من مأزقها بوجه جديد وحكومة جديدة، وها هي تتلمس خطواتها في طريق إعادة صياغة سياستها الخارجية لتعكس صورة جديدة بدلا من الصورة القديمة التي جعلت من قطر عدوا لدول أكبر منها حجماً وقوة.

وإذا كان هذا ما استطاعت فعله دولة قطر قبل الثورة المصرية بفعل التغيرات التي حصلت على الساحة السورية ميدانياً ودولياً بفعل التقارب الروسي - الأميركي والتوجه إلى جنيف ٢ وهي سياسة بالإمكان وصفها بمعادلة خطوتين إلى الوراء وخطوة إلى الأمام. حيث يُعتقد أن هذه الدولة الصغيرة ستتخلى شيئاً فشيئاً عن الدور "الثوري" الذي اطلعت به في مرحلة ما سمي ربيعاً عربي؟

وأغلب الظن أنها ستتجه إلى الانكفاء على نفسها والعودة إلى الانسجام مع المواقف تحت القيادة السعودية، هذا إذا صدقت المعلومات الصحافية التي لا يعرف مصدرها بعد والتي تتحدث عن نية الأمير القطري الجديد طرد قيادات حركة الإخوان المسلمين ومنها "حماس" من بلاده.

وبالرغم من أن تلك المعلومات غير مؤكدة حتى الآن، إلا أن المؤكد هو أن حكومة الأمير تميم كانت قد سارعت بالانضمام للإجماع الخليجي المرحب بعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي وإنهاء حكم الإخوان وتجربتهم في نسختها المصرية، ومن هنا فإن المفاجأة القطرية في الشأن المصري تعطي شيئاً من المصداقية للمعلومات التي تتحدث عن تحول بطيء في السياسة الخارجية القطرية تجاه عدد من الملفات المشتعلة في المنطقة ومنها، بل وأهمها، فك التحالف مع حركة الإخوان المسلمين، وقد جاءت تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي بتحريض المصريين الى اعادة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي الى الحكم لتبرهن على تمايز وابتعاد السياسة الرسمية القطرية عن تبني مواقف الإخوان تلقائياً مثلما كانت تفعل في عهد "الحمدين".

هذا الموقف القطري من المؤكد أنه قد وقع كالصدمة على حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الفرع الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين، كونه ينذر بشكل أو بآخر بما بعده، فتخلي أقرب حلفاء حماس الإقليميين وبهذه السرعة عن الرئيس الإخواني المخلوع محمد مرسي يثير تساؤلات كبيرة حول مستقبل تحالفات حركة حماس وخياراتها السياسية في المرحلة المقبلة.

إذ من المعروف أن تخلي حركة المقاومة الإسلامية "حماس" عن حلفائها في محور الممانعة والمقاومة المتمثل في الجمهورية الإسلامية في إيران وسورية الأسد وحزب الله اللبناني، كان بناء على طلب صريح من المرجعية العليا للإخوان المسلمين المتحالفة مع دولة قطر والتي شملت أيضاً تركيا أردوغان على أساس ترويض الحركة، وتحويلها من حركة مقاومة إلى حركة سياسية بعيدة عن العنف، ومن ثم تحويلها وبعد إزالتها من لائحة الإرهاب الأميركية الأوروبية إلى مُحاور يعتد به في المناقشات التي كانت تجري لتقرير مستقبل المنطقة، في ضوء التفاهم الذي حصل بين الإدارة الأميركية وعدد من حلفائها الأوروبيين مع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين برعاية قطرية تركية، والذي تضمن المساهمة بتمكينهم من الحكم في البلدان العربية مقابل حماية المصالح الأميركية والحفاظ على أمن إسرائيل.

يلاحظ منذ عام تقريباً أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تعاني من أزمة هوية، فهي تنتمي أيديولوجياً لحركة الإخوان المسلمين ولكنها في نفس الوقت حركة مقاومة وطنية فلسطينية جعلت من التحرر الوطني ومقاومة الاحتلال هدفاً أساسياً لها، وعلى هذا الأساس انطلقت هذه الحركة الإسلامية الفلسطينية بقيادة طليعة متمردة من أبناء الإخوان كان على رأسهم الشيخ أحمد ياسين وعدد آخر من رفاقه كحركة ثورية ومتمردة على الفكر الإخواني المحافظ وغير الثوري المعتمد على الدعوة لإصلاح المجتمع المسلم والسعي لإقامة دولة الخلافة، وقد تبنت الحركة وبشكل أساسي الكفاح المسلح "الجهاد" كطريق حتمي ووحيد لتحرير فلسطين كل فلسطين، وكان هذا التحول عملاً جريئاً أدى فيما أدى إلى تغيير نظرة المجتمع العربي والفلسطيني إلى الإخوان المسلمين من حركة رجعية متخلفة وعميلة للاستعمار ومتوافقة مع أهدافه بحسب الترويج القومي واليساري إلى حركة مناضلة تستحق الاحترام.

ولكن على ما يبدو كان هذا خطأ في التقييم، فما كان ينطبق على "حماس" أي الجزء الفلسطيني المتمرد على الفكر الإخواني لم يكن ينطبق على الإخوان كل الإخوان أي التنظيم الدولي وفروعه، فقد ظل الآخرون أوفياء لمبادئهم وأدواتهم وأساليبهم ولكنهم استغلوا نضالات "حماس" للترويج لصورة مخادعة لأنفسهم هي بالمطلق لم تكن كذلك، فقد حافظ التنظيم الدولي على رجعيته وتحالفاته المريبة عربياً ودولياً.

مثلت "حماس" بالنسبة لحركة الإخوان المسلمين جوهرة التاج، فبها أشرقت الحركة وأعادت من خلالها البريق الذي افتقدته منذ حادثة المنشية ومحاولة اغتيال الزعيم الراحل الخالد جمال عبد الناصر.

ولكن وكون الحركة الأم هي حركة رجعية محافظة إصلاحية وغير ثورية فإنها حاولت أن تبقى مهيمنة على القرار السياسي لحركة حماس وتوجهاتها بفعل تمويلها للحركة، ولكنها كانت تواجه بالصد والرفض من قبل قيادة الحركة التاريخية ممثلة بالشيخ أحمد ياسين والقائد عبد العزيز الرنتيسي وغيره من القيادات التي كانت تتبنى الفكر الجهادي.

 

المصدر: 
الأيام