حملة جاهلة وظالمة ضد الفلسطينيين

بقلم: 

بصراحة وبدون مواربة شعرت بالاستغراب الشديد، بل والاستهجان لما جاء على لسان بعض القادة السياسيين وبعض العلماء وبعض المستشارين الكبار في حقل القضاء المصري من تفوّهات حاولت أن تشوّه المواقف الفلسطينية وتطاولت حتى وصلت إلى الإساءة المتعمّدة للشعب الفلسطيني عن سابق إصرار وعناد وترصد يثير الأسى والألم في صدر كل وطني فلسطيني، بل وكل فرد حرّ من شعبنا، وأرى أنه أثار نفس درجة الأسى والألم في نفوس كل الوطنيين العرب وكل إنسان شريف وحر في هذا العالم.

بطبيعة الحال، هذا لن يؤثر بأي شكل من الأشكال على مدى مساندتنا لشعبنا العظيم في مصر، وهو يستعيد روحه من بين براثن جماعة الإخوان، لن يؤثر على مدى ما للثورة المصرية الجديدة من موقع ومكانة في نفوس الغالبية الساحقة من أبناء شعبنا التي تتوسم في الثورة المصرية كل الخير، وتتوقع منها إحداث متغيرات هائلة في عموم المنطقة، بما يعود على الشعب الفلسطيني وقبل غيره بالدعم والإسناد والقدرة على الصمود والمجابهة لإسرائيل ومخططاتها.

وبطبيعة الحال، أيضاً، فإننا ندرك تمام الإدراك أن هذه الأصوات لا تمثل في الواقع موقف الشعب المصري، ولا نخبه السياسية والفكرية والاجتماعية والثقافية، فنحن نعرف ما يكنّه شعب مصر وقيادات مصر وجيش مصر من محبة لفلسطين وشعبها ومن مساندة للنضال الوطني والأهداف والحقوق الفلسطينية.

كما أننا نعرف ونثق في الحسّ القومي النظيف والشريف والنزيه الذي يقفه الجزء الأعظم من إعلاميي مصر ودعواتهم المستمرة إلى عدم التعميم وتوخّي الحيطة والحذر في إطلاق الأحكام الساذجة في قراءة المشهد السياسي المصري بالعلاقة مع "التدخل الفلسطيني" فيه.

لقد حاول الإعلامي الشجاع خيري رمضان أن يوقف المستشار الزند عند حدود معيّنة، كما حاول أن يوقف العالم الإسلامي الجليل والأزهري المحترم ويحصر الموقف في حركة "حماس" وسياساتها إلاّ أنهما (مع الأسف الشديد) أصرّا على التعميم وعلى إطلاق الأحكام الجائرة بحق شعب كامل بجريرة فصيل سياسي إخواني مصنف.

المفجع أن المستشار الزند أراد أن "يؤكد" على تعميمه الجاهل فجاء بفكرة عجيبة يصعب على المرء تفهم أن تخرج عن إنسان بقامته وخبرته المعروفة في مجال القضاء المصري، حيث (أكّد) أن الشعب الفلسطيني "يكره" الشعب المصري ويكنّ له العداء والسوء.

واضح أن الزند هنا فقد صوابه ورشده تماماً وغاص فيما هو أقرب إلى الوحل. نحن نعرف أن كل هذا لم يكن ليكون لولا أن حركة "حماس" مع الأسف الشديد انحازت بصورة فجّة لجماعة الإخوان، وأقدمت على أعمال لا يمكن أن تصنف خارج العبث في الساحة المصرية.

وواضح أن هذا التدخل قد وصل إلى حدود من التخريب لا يمكن لأي وطني مصري أن يسكت عليها، أو أن يتغاضى عنها، تماماً كما لا يجوز لأي وطني فلسطيني أن يرضى عنها ويتجاهل آثارها السلبية المدمرة على شعبنا وحقوقه وأهدافه وعمق ارتباطه القومي بمصر التي هي أم الأمة كلها وقيادتها وريادتها.

إن تدخل حركة حماس حتى على الصعيد الإعلامي ومن خلال ما تبثّه الفضائيات المحسوبة عليها، إنما تدمر في الحقيقة بنيان الترابط القومي لحسابات خاصة تتعلق بالجماعات وعلى حساب الأمة والشعوب والأوطان.

كأنّ حركة حماس تشعر بأن الثورة المصرية العظيمة قد أطاحت بأهدافها الخاصة وبمشروع الانفصال التي عملت على أساسه، ووجهت كل جهودها وطاقاتها لتكريسه، وهو الأمر الذي أدى بها (أي حركة حماس) إلى اعتبار المعركة حول استكمال مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية التي مثلتها ثورة الثلاثين من يونيو/ حزيران باعتبارها مرحلة أعلى من ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني وكأنها معركة مصير الحركة ومستقبلها.

حركة حماس كان بمقدورها أن "تتعاطف" مع حركة الإخوان في مصر، وكان بمقدورها أن لا تخفي "خوفها" من تداعيات انتصار الثورة المصرية على مشروعها الخاص، ولكن كان على حركة حماس أن تدرك الفرق الهائل بين "التعاطف" والتدخل، وبين "التضامن" والعبث.

على حركة حماس أن تنسحب فوراً من هذه اللعبة الخطرة وعليها مسؤولية عدم توريط أهلنا في قطاع غزة في لعبة الدفاع عن الجماعات وعلى حساب المصالح الوطنية الفلسطينية وعلى حساب الترابط القومي بشعب مصر وجيش مصر وثورة مصر.

وكما نطالب حركة حماس بالانسحاب الفوري والسريع من ساحة العبث بالشؤون الداخلية المصرية نطالب كل مسؤول مصري بتوخّي الحذر والابتعاد عن لغة الأحكام المطلقة والتعميمات الجاهلة التي لا تخدم سوى إسرائيل وأميركا.

فتحية لثورة مصر ولن تثنينا أية أصوات عن تأييد هذه الثورة العملاقة ولن يقع شعبنا العظيم في مصر في مكائد أصوات قد لا تكون أكثر من جاهلة في طبيعة العلاقة التاريخية التي تربط مصر بفلسطين.

 

 

المصدر: 
الأيام