القضية الفلسطينية هي الضحية دائما

بقلم: 

من سوء طالع الشعب الفلسطيني ان قضيته، اكبر قضية انسانية بامتياز، هي المستهدفة دائما وأبدا. وكانت ولا تزال هدفا للمؤامرات الدولية والدسائس العربية. وقد تبين عبر أكثر من ستة عقود ان القوى الفاعلة ضد نضال الشعب الفلسطيني تفوق كثيرا قدراته الذاتية، التي تمكنه من الصمود وليس التحرير. فالمعركة ضد السيطرة الاستعمارية والأطماع الصهيونية هي معركة الوطن العربي بأسره، وهو القادر على الفوز فيها. وقد ادركت الصهيونية هذه الحقيقة منذ البداية، فعملت على تفتيت الوطن العربي او اشغاله بحروب عدوانية، ضمنت فيها التفوق على جميع الجيوش العربية بأوضاعها البائسة. وقد مرت القضية الفلسطينية بمفاصل تاريخية مهمة، كانت فيها الضحية باستمرار. فمنذ الحرب العالمية الأولى وما تمخضت عنه من شرذمة العالم العربي واضعافه (اتفاقيات سايكس ـ بيكو ووعد بلفور)، دفع الفلسطينيون الثمن. فبدلا من ان تكون فلسطين جزءا من بلاد الشام (سورية الطبيعية) الدولة الكبرى القادرة على مواجهة الكيان الصهيوني، سلخت عن الوطن الأم لكي تستفرد الصهيونية بها وتبدأ حملتها الإحلالية. وتمخضت الحرب العالمية الثانية، بين امور أخرى، عن تعرض يهود اوروبا الى حملات اضطهاد وابادة، دفع ثمنها الشعب الفلسطيني مرة أخرى. فبدلا من تحميل اوروبا والمانيا بالذات، المسؤولية عن هذه الحملات، عملت بالتواطؤ مع الحركة الصهيونية، على تهجير يهود اوروبا الى فلسطين، ليحلوا مكان الشعب الفلسطيني، عبر حملات تطهير عرقي تحت شعار ‘ايجاد ملجأ لضحايا النازية’. وهذا يعني القاء المسؤولية عن الضحايا اليهود على ضحاياهم الفلسطينيين.

وكانت القضية الفلسطينية ضحية حتى في ظل الثورات العربية التي عملت على تحقيق الوحدة العربية، القادرة على التصدي للخطر الصهيوني والانتصار للقضية الفلسطينية. ولكي تواجه اسرائيل محاولة تحقيق الوحدة ولم شمل العالم العربي في ظل الثورة الناصرية، بذلت جهودا كبيرة لإفشال الوحدة بين سورية ومصر (تشكلت سنة 1958 وحدث الانفصال سنة 1961). ولكي تضرب اسرائيل تيار القومية العربية وضمان عدم عودة محاولات الوحدة، شنت حرب 1967، التي هزمت فيها الجيوش العربية شر هزيمة. ومرة اخرى دفع الشعب الفلسطيني الثمن ووقع ضحية تارة اخرى، باحتلال اسرائيل ما تبقى من فلسطين وفرض الاحتلال البغيض على الضفة الغربية وقطاع غزة.

وهكذا تبقى القضية الفلسطينية هي الضحية في كل الأحوال، سواء نتيجة للاطماع الاستعمارية والصهيونية، او حتى نتيجة للتصدي لهذه الأطماع. الشعب الفلسطيني مستهدف من قبل قوى عالمية متواطئة مع الصهيونية وقوى عربية عميلة تكن له العداء.

ان ما يجري حاليا في الوطن العربي هو على حساب الشعب الفلسطيني، ذلك ان تقسيم العالم العربي وتفتيته هما الضمانة الوحيدة لاستمرار اسرائيل في مخططاتها التوسعية. وما نشهده الآن من محاولات مستميتة للقضاء على الدولة القومية العلمانية العربية في ظل ‘الربيع التقسيمي’، هو حلم صهيوني عبر عنه بروفيسور صهيوني بصراحة.

 

‘نهاية الدولة القومية العربية’

عرض عمانويل سيفان في صحيفة ‘هآرتس′ الإسرائيلية (صحيفة اللواء بيروت -28 حزيران/يونيو 2013) عملية تفكك بلدان الوطن العربي وانهيار الدولة القومية فقال، ‘بينما نغرق في جدال نظري في مسألة إذا كانت توجد قومية يهودية، تجري عملية مهمة في واقع الشرق الأوسط، الدولة القومية العربية، التي كانت الأساس للنظام العربي منذ 1970، بدأت تتشقق وتكاد تختفي في ستة بلدان، والعملية لا تزال مستمرة. في الأعوام 1945 – 1970 كان الميل السائد هو الوحدة العربية. بدايتها في تأسيس الجامعة العربية، وبعد ذلك انتهجتها مصر في عهد ناصر وسورية والعراق البعثيان. ميل الوحدة تلقى ضربة شديدة مع تفكك الوحدة المصرية – السورية، التدخّل المصري في اليمن، وبالأساس مع الهزيمة العربية في حرب الأيام الستة’.

واردف سيفان ان ‘وفاة ناصر ترمز الى الافول النهائي للوحدة العربية عن مسرح التاريخ. ومحلها حل، بمفاهيم الشرعية والعملية على حد سواء، الدولة القومية. ويدور الحديث عن دولة اقليمية، حدودها قررتها الامبريالية البريطانية، الفرنسية والايطالية، تلك الحدود التي شككت بها نزعة الوحدة العربية. وبدأت الدولة الاقليمية الجديدة تطوّر وعيا ماضيا مشتركا لأبنائها، وعيا ثقافيا بشكل خاص، وأهدافا جماعية من الحجارة الأساس للدولة القومية الشرقية. في مصر في عهد أنور السادات، في سورية في عهد حافظ الأسد، في عراق صدام حسين وفي ليبيا معمر القذافي بلغت العملية النضج. الحدود الاستعمارية أصبحت شرعية، مثلما حصل في افريقيا أيضا. ولكن هذا النموذج، عمره 40 سنة آخذ في الانهيار، ضمن امور اخرى كنتيجة غير مرتقبة لـ’الربيع العربي’. والعملية تبرز بشكل خاص في سورية. نظام بشار الأسد يسيطر اليوم عمليا فقط على نحو نصف الأراضي ويخوض حرب إبادة ضد اولئك الذين يمسكون بالنصف الثاني’.

ويواصل الكاتب الصهيوني مقولته حول تفتت العالم العربي حاليا: ‘في العراق بدأت عملية التفتت بعد سقوط صدام، ونالت الزخم مع الانسحاب الأمريكي. فالدولة تنقسم عمليا الى ذات المقاطعات الاقليمية العثمانية الثلاث، التي وحدها البريطانيون بشكل مصطنع في نهاية الحرب العالمية الأولى..عملية مشابهة تجري في ليبيا، ثلاث مقاطعات وحدها الحكام الاستعماريون الايطاليون، تبدأ بالانفصال. وماذا عن لبنان، الذي كان وجوده كدولة قومية هزيلا دوما، منذ فصل عن سورية الكبرى (أو الشام العثمانية) في هذه الدولة، التي أوجدها الحكم الفرنسي بضغط المسيحيين المارونيين، بدأ التفتت منذ الثمانينيات، عندما انتقل الجنوب الى حزب الله. وعلى كل ما تبقى تخيّم مظلة حكم مركزي واهن، منذ نهاية الحرب الأهلية قبل 23 سنة..’. والخلاصة التي توصل اليها ‘ نظام جديد، نظام فوضى ذو توجه مركزي، يتشكل في الشرق الاوسط’.

ويستمر ‘الفيلم الغربي – الصهيوني ـ العربي’ الطويل وتواصل اسرائيل تسجيل نقاط استراتيجية مهمة، ويواصل الشعب الفلسطيني دفع اثمان غالية من دون معين او مغيث. فالدول العربية غارقة في حروب داخلية اهلية وتدميرية، حتى بات بعضها يتحالف مع اسرائيل على حساب مصالح الشعب الفلسطيني. حكومة مرسي تغلق السفارة السورية في القاهرة وتبقي على السفارة الاسرائيلية مفتوحة يرفرف عليها علم اسرائيل. بئس هذا الزمن.

 

‘تراجع التهديد العسكري التقليدي

الذي تواجهه اسرائيل’

ويتلخص الموقف الاسرائيلي من التطورات العربية الحالية بالوقوف على الحياد ظاهريا، ‘دعوهم يقتلون بعضهم بعضا بهدوء’ واسرائيل هي الرابحة في النهاية. وتحت عنوان ‘على اسرائيل الامتناع عن التدخل في حروب الآخرين’ كتب عاموس هارئيل (هآرتس 1/7/2013 ) تحليلا سياسيا، مفاده ان التطورات الحالية في العالم العربي كفيلة بمنح اسرائيل ميزات استراتيجية. وفي تقديره ان ‘استمرار سفك الدماء في سورية، والتخوّف من تجدّد المواجهات العنيفة في شوارع القاهرة، بدأ عدد من المعلقين العرب ينتقد بشدة ما يصفونه بالغريزة الانتحارية، التي أصابت الشعوب العربية’ وتابع… أظهرت جولة قمنا بها هذا الأسبوع في الحدود مع سورية، أن الوجود العسكري للأسد تبخر، فالدبابات السورية في أغلبيتها منشغلة بذبح المدنيين في حمص ودمشق. أما الجيش المصري فغارق في الصراع الداخلي على السلطة (مع ازدياد اعتماده على المساعدة الأمريكية)، وهو لا يرغب في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، على الأقل في المرحلة المقبلة’. ويخلص هرئيل الى القول إن ‘الصراعات الدموية الدائرة في العالم العربي ليست بالضرورة جيدة بالنسبة لإسرائيل، وقد تكون لها نتائج سلبية مثل صعود خطر التنظيمات السنّية المتشددة التي تحظى بدعم ‘القاعدة’ في سيناء وجنوب هضبة الجولان. بيد أن النتيجة المباشرة لانشغال العرب بأوضاعهم الداخلية هي تراجع التهديد العسكري التقليدي الذي تواجهه إسرائيل’. ويستنتج هرئيل ان ‘الفرصة الاستراتيجية التي نشأت جراء ما يحدث في الدول العربية هي التي سمحت بتقليص موقت ومحدود للميزانية العسكرية. وهذا يفرض على إسرائيل على المدى المباشر، ولا سيما على الجبهة السورية، التزام الحذر الشديد. فهذه الحرب ليست حربنا، ومن الأفضل ألا نتدخل فيها’.

 

مفاوضات في ظل خداع صهيوني

تستغل الإدارة الأمريكية حالة الوهن والتشرذم في ظل حروب أهلية دينية بغيضة لتفرض على الشعب الفلسطيني مفاوضات مع حكومة نتنياهو لن تؤدي الا الى تسوية لا تلبي مطالب الشعب الفلسطيني لا من قريب ولا من بعيد. وتعتبر بعض المحافل الاسرائيلية ان هذه المطالب الفلسطينية هي محاولة هروب من المفاوضات او افشالها. فقد ذكرت صحيفة ‘يسرائيل هيوم’ 2/7/2013 نقلا عن مصدر رفيع في القدس أكد في تصريحات خاصة أدلى بها إلى الصحيفة، أن ‘عدم معاودة المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية سببه أن رئيس السلطة الفلسطينية عباس لايزال مصراً على تلبية ثلاثة شروط مسبقة هي: إطلاق الأسرى الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية، منذ ما قبل توقيع اتفاقيات أوسلو، وتجميد أعمال البناء في المستوطنات وراء الخط الأخضر، وإعلان إسرائيل أن الهدف من معاودة المفاوضات هو إقامة دولة فلسطينية على أساس حدود 1967، مع تبادل أراض متفق عليها. وأضاف المصدر أن العملية السياسية يمكن أن تتقدم إلى الأمام كثيراً في ظرف أيام إذا رغب عباس في ذلك. واشارت الصحيفة إلى أن الأمريكيين يؤيّدون موقف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يعارض أيّ شرط مسبق لمعاودة المفاوضات’. هذا هو جوهر الموقف الاسرائيلي المخادع. وهو لم يتغير في جميع العهود. وكانت جميع الادارات الاسرائيلية ولا تزال متمسّكة باللاءات الاسرائيلية المعروفة: لا لقيام دولة فلسطينية مستقلة تمام الاستقلال، ولا للانسحاب من المناطق المحتلة، ولا لاطلاق سراح الأسرى. فاذا فرّط الفلسطينيون بهذه الشروط الجوهرية ما الذي يبقى للتفاوض عليه. ويبقى يراودنا الأمل في الا تقع السلطة الفلسطينية في الفخ الأمريكي النتنياهوي لكيلا تقع القضية الفلسطينية مجددا، ويكون الشعب الفلسطيني ضحية جديدة. ان المهم في هذه المرحلة الصعبة ان يبقى الشعب الفلسطيني صامدا من دون الوقوع في الفخاخ التي تنصب له، لأن الشرق الاوسط لن يشهد لا هدوءا ولا استقرارا الا متى حقق الشعب الفلسطيني امانيه. وهذه حقيقة يقرها الجميع.

 

‘ كاتب فلسطيني مقيم في كندا

المصدر: 
القدس العربي