متى ستنبذ إسرائيل قوانينها العنصرية؟!

بقلم: 

أقر الكنيست الإسرائيلي أخيرا بقراءة أولى قانون " برافر- بيجن "، والذي يهدف إلى تدمير عشرات القرى الفلسطينية وبخاصة البدوية، وتهجير عشرات الألوف من الفلسطينيين، ومصادرة نحو 800 ألف دونم من أراضيهم. وكأننا عدنا للأيام الأولى بعد عام 1948 حينما سلبت الأرض الفلسطينية بالكامل، ولم يبق منها لعرب الداخل سوى أقل من 3%. تماما كما حدث بعد عام 1967 حينما ضمت القدس العربية لإسرائيل وتم الإستيلاء على الأرض الفلسطينية المحتلة في القدس، ولم يبق لمواطنيها متسع لبناء ولا لملجأ. فما اشبه الليلة بالبارحة وها هو التاريخ يعيد نفسه ويبتلع الحوت الإسرائيلي المزيد من الأراضي العربية الفلسطينية، وكل ذلك ينفذ باسم القانون وفي إطار القانون وعبر القانون.

من ينظر لدولة إسرائيل من بعد، يعتقد لأول وهلة أنها دولة ديموقراطية يسود فيها القانون. ففيها تقوم سلطة تشريعية منتخبة( الكنيست ) تسن التشريعات، وسلطة تنفيذية تنفذ القانون وتخضع لإجراءات سحب الثقة منها. وإلى جانبهما توجد سلطة قضائية ترأسها محكمة عليا للشئون المدنية والجزائية والإدارية وحتى الدستورية وقراراتها مطاعة ومنفذة حتى من أجهزة الأمن. بل إنها مدت اختصاصها خارج حدود إسرائيل لتشمل قرارات الحكم العسكري في الأراضي المحتلة في سابقة فريدة لم يسبقها إليه أحد في القانون الجنائي الدولي وقانون الإحتلال الحربي.

الناظر من بعد لإسرائيل يعتقد بسذاجة شديدة أنها دولة قانونية بل تعبد القانون وتقنن كل إجراء عبر القانون. ولكن السؤال عن أي قانون نتحدث؟ فهل هو القانون بالمعنى الشكلي أي القواعد العامة المجردة التي حصلت على الأغلبية في المجلس التشريعي بغض النظر عن المضمون، أم هي القواعد العامة المجردة ذات المضمون والجوهر التي تتفق مع العدالة والمساواة والديموقراطية وعدم الإضرار بالغير واحترام كرامة الإنسان وحقوقه الفردية والإنسانية. هذا هو الفيصل بين قانون وآخر. ذلك أن كل سلطة تشريعية لها سلطة مطلقة في التشريع في حدود ما قرره الدستور، ولها هدف اساسي وأهداف جانبية من وراء كل تشريع تسنه، وإلا كانت عملية التشريع عبثية وعادة ما يفترض أن ينزه المشرع عن العبث واللغو. وإغراقا في القانون الشكلي المتعصب، تحاكم المحاكم الإسرائيلية رؤساء وزارات ووزراء وأعضاء مجالس بلدية وأعضاء جمعيات وأفراد بدون أن يكون لأي منهم حصانة.

من هنا كانت أي سلطة تشريعية مؤيدة بالسلطة التنفيذية تسعى إلى اهداف مركزية وأخرى هامشية من وراء سن اي قانون، تبعا لإعتباراتها الوطنية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية ورسالتها من خلال الحكم. لذا وضعت الكنيست مستغلة الأغلبية الصهيونية العددية هدفا مركزيا لها يتمثل في الإستيلاء على الأرض العربية وتهجير أصحابها بغض النظر عن الآليات والتفاصيل لبلوغ ذلك الهدف عبر قوانين وأنظمة وتعليمات وقرارات إدارية. وتبدو تلك الحقيقة العارية بعد تدقيق وتمحيص من خلال مسيرة إسرائيلية تشريعية لمدة ستة عقود ونيف. وبذا ينكشف زيف القانون الإسرائيلي، ويتضح دوره السلبي واستغلاله، كأداة لسلب العرب الفلسطينيين أموالهم المنقولة وغير المنقولة. ويبدو صارخا أن جميع مساحيق التجميل لم تستطع أن تغطي قباحة وجه القانون الإسرائيلي وهدفه غير المعلن.

ولا يخدعنّك اقتران القانون الإسرائيلي بجميع الإجراءات الشكلية التي غدت ذات صبغة عالمية في سن التشريعات، والتي ترافق القوانين العنصرية الإسرائيلية عادة، من نقاش وتصويت وقراءات ثلاثة وتوقيع وأصدار من الرئيس ونشر في الجريدة الرسمية. ويجب أن لا يصرف نظرنا عن هذه القوانين العنصرية، وجود جهاز قضائي إسرائيلي يختص بمحاكمة رؤساء ووزراء ونواب وسياسيين وأعضاء مجالس بلدية بتهم الفساد واستغلال النفوذ وفحص هذه القوانين إن كانت تتفق مع بعض القوانين الإسرائيلية أم لا. بل إن السلطة القضائية الإسرائيلية يتقاضى أعضاؤها رواتب أعلى من أعضاء السلطة التنفيذية والتشريعية في صورة رمزية للتدليل على أهميتها وهيبتها. ويجب أن لا يحرف اهتمامنا عن القوانين العنصرية الإسرائيلية ذلك العدد الضخم من المحامين المسجلين في نقابة المحامين الإسرائيليين حتى لو كان بعضهم فلسطينيون. فكلا الأمرين من قبيل الكليشهات التي لا بد منها والضرورة التي لا يمكن الإستغناء عنها، ومنتجات مساحيق ماكس فاكتور للتجميل.

وحتى لا يكون الحديث عاما مجردا نستذكر بعضا من هذه القوانين التي سنت بعد قيام الدولة العبرية وما زالت قيد التطبيق بعد أكثر من ستة عقود ونصف. فمثلا قانون العودة هو خاص باليهود فقط ولا يشمل الفلسطينيين، وقانون حارس أملاك الغائبين لسنة 1950 للفلسطينيين فقط ومنازلهم التي تجاوزت سبعين ألف منزلا و90% من الأرض، وأوامر قانون الطوارىء لعام 1950 خاصة بوضع اليد على الأرض الفلسطينية والبيت الفلسطيني فقط، وقانون الجنسية يمنح لليهودي بشكل تلقائي الجنسية الإسرائيلية مع احتفاظه بجنسيته الأخرى أما الأغيار أي الفلسطينيون فتطبق عليهم شروط أخرى.

هذه أمثلة من قوانين إسرائيلية عنصرية تشكل غيضا من فيض، ولا أرغب في الإستطراد بسرد أسماء هذه القوانين التي تمثل صورة واضحة نقية للقوانين العنصرية والتي وصلت التنظيم والبناء والقضاء والتعليم الإلزامي والجمعيات والتأجير والتعمير والتقادم وغيرها. فرغم تحقيق هذه القوانين العنصرية معظم أهدافها إلا أنها ما زالت قائمة وتطبق ويلجأ إليها حينما لا تسعف السلطة التنفيذية القوانين الحديثة. فقد طبقت لمصادرة الأراضي العربية في عام 1976 في سخنين وفي الناصرة عام 1991 وفي القدس كل يوم وكل ساعة بعد عام 1967.

الواضح أن هذه القوانين العنصرية الإسرائيلية تناقض ما يسمى بوثيقة الإستقلال الإسرائيلية التي ضمنت المساواة التامة بين جميع مواطني إسرائيل في الحقوق الإجتماعية والسياسية، وتناقض اتفاق الحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 وبخاصة المادة 27 منه الذي أصبحت إسرائيل طرفا فيه عام 1990 وتتناقض مع السوابق الدولية المشابهة.

قوانين عنصرية إسرائيلية قديمة وحديثة، وأنظمة وتعليمات وقرارات غدت سوطا يجلد ويسلب المواطن العربي الفلسطيني حقوقه الأساسية. ولم يستطع القضاء الإسرائيلي أن يضع حدا لهذه العنصرية السائدة في القوانين الإسرائيلية بل ذهب لتبريرها. ولم يفلح مرور الزمن أن يثبت للسياسيين الإسرائيليين أن هذه القوانين العنصرية لن تشل من عضد الفلسطينيين ولن تمنعهم من الصمود والبقاء فوق أرضهم، والأمور بخواتمها والأمل ينبع على نحو سرمدي.

المصدر: 
القدس