فلسطينيو سوريا في غزة: لاجئون مرّتين

بقلم: 

حين غادر الآلاف من الفلسطينيين منازلهم منذ حوالي 65 عاماً أو مع مرور السنوات بفعل الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم، وتوجهوا إلى الدول العربية المجاورة على أمل العودة في وقت قريب، لم يكونوا على دراية بأن السنوات ستمر لكي يؤسسوا حياة كاملة بعيداً عن فلسطين، أو أن أزمة ستعصف في واحدة من أهم الدول العربية لتعيدهم إلى بلادهم... لاجئين!

الحرب التي تنهش في سوريا، لم يقع ضحيتها الشعب السوري فقط، فقد انضم إليه في المأساة مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين، الذين اعتبروا سوريا ملاذاً لهم، ولكنهم وجدوا أنفسهم أمام خيار المغادرة، والعودة إلى فلسطين، وتحديداً إلى قطاع غزة.

ويواجه اللاجئون الفلسطينيون، الذين اتخذوا من قطاع غزة ملجأ لهم بعد سوريا، مشاكل عدّة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. وهم يحاولون التأقلم مع الواقع الجديد، بعدما أجبروا على الخروج من سوريا تحت وطأة القصف والنيران.

وبالفعل ينشط عدد من مؤسسات الإغاثة والمنظمات الأهلية في تقديم المساعدات التموينية والمالية اللازمة، خصوصاً أن العائلات العائدة تشكو من قلة الاهتمام بها من قبل المؤسسات الرسمية. ولكن حكومة حماس المقالة في القطاع تقول إنها توفر لهم حياة أفضل من سكان غزة، وتتهمهم بأنهم يكثرون الشكوى.

وبحسب إحصائية وزارة الشؤون الاجتماعية، فقد دخل إلى قطاع غزة منذ بدء الصراع في سوريا 149 أسرة فلسطينية. البعض سكن عند أقاربه، والبعض الآخر استأجر منازل مستقلة.

تعهدات وذرائع

وبحسب رئيس دائرة شؤون اللاجئين في حركة حماس عصام عدوان، فإن اللاجئين الفلسطينيين الوافدين من سوريا، غالباً ما يكون لهم أقارب في غزة، وبناء عليه فهم يختارون القطاع.

وأوضح عدوان أن وزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومة المقالة تقدم لهم مساعدات من شأنها توفير الحد الأدنى لتمكين اندماجهم في المجتمع، كالمساعدات التموينية والمالية المحدودة.

وأشار إلى أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة «أونروا» تعهدت منذ مطلع شهر آذار الماضي، بتقديم بدل إيجار للمنازل بقيمة 125 دولاراً لكل عائلة، ولكنها لم تلتزم بذلك حتى الآن، بل تذرعت بأن مكاتبها مغلقة بفعل الاحتجاجات والفعاليات التي يقوم بها اللاجئون نتيجة تقليص المساعدات.

وأضاف عدوان أن «الأونروا تعهدت وأبدت استعداداً بأن تقدم للاجئين الوافدين من سوريا إغاثة تموينية أيضاً، فضلاً عن إيجاد وظائف موقتة، ولكن ذلك يبقى مرتبطاً بنقل ملفاتهم من سوريا إلى غزة، وكل هذا لم يحصل فعلياً».

معاملة خاصة أو تمنين

وقال وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومة المقالة عمر الدربي إن قراراً خاصاً صدر عن مجلس الوزراء ينص على أن كل أسرة يجب أن تحصل على فرصة عمل موقتة تكون بمثابة وسيلة اقتصادية لتأمين دخل أولي لها.

وذهب الدربي أبعد من ذلك في وصفه لتعامل الحكومة مع تلك القضية. وبيّن أن «تلك الأسر تعامل مثل معاملة المواطن الفلسطيني العادي في غزة، ولكن يضاف إليها بعض التمييز على أساس أنها إذا قررت البقاء في غزة، سيحصل أفرادها على بطاقات هوية تتيح لهم فرصة الاندماج في المجتمع».

وأشار الدربي، إلى أن الوزارة وفرت فرصة عمل لكل أسرة، وهي تؤمن 300 دولار شهرياً، ويضاف إلى ذلك المواد التموينية وبصفة دورية من مؤسسات أهلية وغيرها، فضلاً عن الأثاث المنزلي وبعض الأساسيات التي تعتبر ضرورية للسكن.

وعاد الدربي ليؤكد أن الوزارة تتعامل مع اللاجئين، الذين قدموا من سوريا، معاملة خاصة برغم الحصار المفروض على القطاع منذ العام 2007، وازدياد الخارجين الذين بلغ عددهم أكثر من 70 ألفاً.

وأوضح أن هذه العائلات هي جزء من المجتمع الفلسطيني، مشيراً إلى أن وزارته وفرت للبعض تأميناً صحياً. كما دخل الأبناء إلى المدارس الحكومية. ولكن بعض تلك العائلات يكثر الشكوى، بحسب قوله.

 

أوضاع صعبة

 

اللاجئ أبو العبد صوالحة شرح قصته، فأتت مناقضة ما رواه الدربي عن عمل الحكومة. وأكد صوالحة، وهو رب لإحدى العائلات القادمة من سوريا، انهم ما زالوا يحاولون التأقلم مع الناس، مشيراً إلى أن «كل شيء تلقيناه من الجهات المسؤولة كان دون مستوى المعيشة العادي، ولم نتلق ما يؤهلنا لأن نعيش حياة كريمة».

وأوضح صوالحة، الذي قدم وأفراد أسرته الستة من مدينة حمص قبل حوالي العام، أن ما قدمته وزارة الشؤون الاجتماعية لا يكفي لدفع إيجار المنزل في حي السلطان في مدينة رفح، وقيمته 200 دولار من دون احتساب نفقات الكهرباء والمياه والحاجيات الأخرى.

واستنكر ما قاله الدربي بأنهم يعيشون حياة أفضل من مواطني غزة، قائلاً إن «أبسط مقارنة بيننا أنهم يعيشون في بيوت ملكهم، وليست بالإيجار». ولفت إلى أن ما يطالبون به هو حياة كريمة أسوة بغيرهم من مواطني القطاع، وأقل ما يمكن أن توفر لهم الحكومة هو فرصة وظيفة لشخصين من أفراد العائلة، لسد مستحقات إيجار المنزل على الأقل.

وحول طبيعة حياتهم العملية، أشار صوالحة إلى أن هناك العديد من المصالح التي كانت موجودة في سوريا غير موجودة في غزة، لافتاً إلى أن زوجته التي تخرجت من قسم الأدب العربي، تعمل الآن في قسم الأرشيف في احد مستشفيات رفح.

وأضاف: «أنا أيضاً أحمل درجة البكالوريوس في الكيمياء الحيوية للتحاليل الطبية، ولم أحصل على فرصة عمل حتى الآن، وطرقت أبواب كل المؤسسات في غزة، وتقدمت إلى جهات كثيرة، ولكن من دون جدوى».

 

ضعف رسمي ومؤسساتي

 

وعلى صعيد عام أكثر، لفت مسؤول لجنة متابعة شؤون اللاجئين في قطاع غزة عاطف العيماوي إلى أن اللاجئين يعانون أوضاعا غاية في الصعوبة نتيجة تزايد عددهم، فضلاً عن الأوضاع المعيشية المتردية التي يعاني منها القطاع.

وأشار إلى أن المؤسسات والهيئات الحكومية لم تقدم ما هو مطلوب من واجبات حتى اللحظة.

وبيّن العيماوي أن هناك مؤسسات أهلية وحكومية قدمت بعض الدعم، ولكنها غير قادرة على تلبية الاحتياجات كافة، مضيفا: «أحوالنا من رفح وحتى بيت حانون متشابهة في المعاناة».

وأوضح أن «اللاجئين يحتاجون إلى كل شيء من مسكن ومأكل ومشرب، وأن تكون حياتهم كريمة. نحن قدمنا إلى غزة، أي إلى وطننا، من أجل أن نكون جزءاً من نسيج هذا الوطن، ومستعدون لتقديم كل ما يلزم لأجل الدفاع عنه».

وطالب العيماوي الحكومة المقالة ومنظمة التحرير الفلسطينية بالنظر إلى أوضاعهم الصعبة فهم ليسوا بعبء على الوطن.

 

 

المصدر: 
السفير