هل هناك أزمة قيادة في فلسطين؟

بقلم: 

تعرضت لسيل من الأسئلة مؤخرا حول ما وصفها الكثيرون في العالم الغربي بأنها أزمة فلسطينية في القيادة. ولوحظت هذه القضية بشكل أكبر في أعقاب استقالة رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض.

من أعضاء الكونغرس الأميركي إلى دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي، بدوا قلقين من أنه لن يأتي رئيس وزراء "أمين" و"جدير بالثقة" و"نظيف" و"يمكن الاعتماد عليه" مثل د. فياض، الذي يحظى بتقدير كبير في القطاع الفلسطيني الخاص. وأعتبر أن ذلك مهين للغاية، وأفترض أن د. فياض يعتبره كذلك. فمن المثير للغضب سماع افتراض بأنه في بلد يبلغ عدد سكانه أربعة ملايين نسمة لا يوجد إلا شخص واحد تتوفر فيه هذه الصفات.

السؤال الذي كان من الواجب طرحه علي بدلا من ذلك هو لماذا لا يتقدم المزيد من هؤلاء الرجال لشغل هذا المنصب. في معظم الدول الأخرى، يكافح القادة السياسيون للوصول إلى رئاسة الوزراء. ولكن ليس في فلسطين. هنا، قبل فياض المنصب على أساس خطة تقوم على اننا سنحقق كل ما هو مطلوب من الفلسطينيين- أن ننظم بيتنا، ونبني المؤسسات التي توصلنا إلى الدولة العتيدة، ونطور أجهزتنا الأمنية إلى مستوى يشعر فيه، ليس الفلسطينيون فقط، بل الاسرائيليون أيضا بالأمن- وبالتالي لن يكون لدى المجتمع الدولي أي عذر يحول دون الموافقة في النهاية على إقامة دولة فلسطينية. (بالطبع، لم يكن ذلك مطلوبا من أي دولة انضمت مؤخرا للمجتمع الدولي- جنوب السودان هي مجرد مثال في الماضي القريب). وتفيد تقارير عديدة صدرت عن المجتمع الدولي، بما فيه البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والعديد من وكالات الأمم المتحدة أن فلسطين جاهزة لتكون دولة، غير أن العالم، بما فيه جيراننا العرب، لم يفوا بوعودهم لنا.

بدلا من ذلك، عرقل المجتمع الدولي واسرائيل عمل د. فياض. ولم تنفذ وعودا بالدعم المالي الذي تحتاجه فلسطين، والتي صدرت عن الاتحاد الأوروبي والدول العربية والولايات المتحدة. ولم يحصل الموظفون في السلطة الفلسطينية (التي هي أكبر مشغل للأيدي العاملة في الضفة الغربية) على رواتبهم لعدة شهور. بالإضافة لذلك، فإن الولايات المتحدة، وهي أكبر مانح منفرد للسلطة الفلسطينية قطعت المساعدات لمعاقبة الفلسطينيين، وإرضاء منظمات الضغط في الولايات التحدة، لأن الفلسطينيين سعوا مثلا للحصول على حقهم في العضوية بالأمم المتحدة. وكانت آثار هذه التصرفات على الاقتصاد الفلسطيني كارثية.

وربما كان من الأمور الأكثر دلالة هو فشل المجتمع الدولي في الوفاء بإقامة الدولة فعليا إذا تحققت "متطلبات الدولة"، وهو ما نسف كل أمل في خطة د. فياض.

ولم تعتمد أي ديمقراطية مزدهرة على جهود رجل واحد، ولكن على الشعب. ويجب الاعتراف بانجازات د. فياض. فلم يشكل حكومة استمر وجودها طيلة فترة رئاسته لها فقط، بل بنى كذلك مؤسسات من المؤكد أنها ستستمر من بعده.

هناك في الحقيقة أزمة قيادة في فلسطين، لكنها ليست داخل القيادة الفلسطينية. بل تكمن في اسرائيل والمجتمع الدولي الذي يتغاضى عن الاحتلال الاسرائيلي، وقوانين التمييز والاستيطان غير الشرعي في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وقد خذلتنا الولايات المتحدة والأوروبيون. وبذهاب د. فياض، فربما يندمون على السياسات التي عجلت بخروجه.

 

 

المصدر: 
القدس