الفلسطينيون في لبنان اتعظوا في "اختبار صيدا"

بقلم: 

نجح الفلسطينيون في الاختبار الأمني الاخير في صيدا ومحيطها عموماً وحيّدوا المخيمات فعلياً عن الفتنة التي عصفت ببوابة الجنوب. ذلك هو الاستنتاج الجلي الذي خرجت به قوى 8 آذار يوم أول من أمس، وهي ترصد عن كثب لحظة بلحظة الوضع الأمني في عبرا، والجهود التي تبذلها وحدات الجيش لتنفيذ قرار القيادة بإنهاء ظاهرة الشيخ أحمد الأسير بعدما تحولت عبئاً أمنياً، وظاهرة تستدعي عناصر الفتنة.

التحدي الأكبر أمام القيادات الفلسطينية في الجنوب كان على مستويين اثنين:

الاول في ألا تجد "نداءات واستغاثات" الشيخ الأسير صداها لدى مجموعات معينة كامنة في مخيم عين الحلوة وفي تعمير عين الحلوة، وبالتالي إما ان تذهب هذه المجموعات باتجاه تفجير الوضع على نطاق واسع مع الجيش، وإما أن تخرج مجموعات من داخل هذين التجمعين السكانيين المكتظين مع سلاحها للانتشار في شوارع صيدا مع ما يستلزم ذلك من قطع لطرق رئيسية، أو تنظيم زحف باتجاه عبرا لنجدة عناصر الأسير المحاصرين في مربعهم.

ولقد كان محك نجاح القيادة الفلسطينية الميداني في تعمير عين الحلوة حيث تقدمت بمبادرة لضبط الوضع ونجحت في أخذ موافقة قيادة الجيش، ثم نجحت في الضغط على المسلحين الاصوليين الذين كانوا فتحوا مواجهة مع الجيش وبالتالي اجبارهم على الانكفاء.

الثاني:ان القيادة الفلسطينية نجحت في اسقاط مقولة ان اللاجئين الفلسطينيين قد باتوا قوة احتياط جاهزة للاستخدام لدى جهة لبنانية ذات لون مذهبي معين.

فلم يعد خافياً ان الذين كانوا يعدون العدة لفتح المواجهة في الجنوب ضد "حزب الله" كانوا يتحدثون في مجالسهم، وفق معلومات وصلت الى الجهات الرسمية والحزبية المعنية، عن مربع قوة يمتد من الناعمة على الاوتوستراد المؤدي الى الجنوب الى صيدا نفسها واستتباعاً تعمير عين الحلوة وأخيراً المخيم.

وفي حصيلة ما جرى خلال الايام الثلاثة الماضية تكوّن لدى هذه الجهات استنتاج ميداني فحواه ان "الانتصار" الذي تحقق في عبرا كان مزدوجاً، إذ قضى على"المربع" الذي أعد ليكون لغماً جاهزاً للانفجار لتتحول شظاياه الى عوامل فتنة واسقط من حسابات الحاسبين ان الفلسطينيين في الجنوب بعديد مقاتليهم الذي يفوق الثلاثة آلاف هم الاحتياط الذي يعتمد عليه عندما يدق النفير. وفي كل الأحوال كان أمام القوتين الفاعلتين في الشارع الفلسطيني، وهما حركة "فتح" وحركة"حماس" امتحان كبير وكان عليهما أن تنجحا فيه، وقد نجحتا الى حد بعيد.

فقيادة حركة "فتح" التي في لبنان او في رام الله، بذلت خلال الايام القليلة الماضية جهوداً جبارة كي لا يتكرر ما يعتبره البعض خطأين تاريخيين. الخطأ الأول عام 1975 عندما دخل الفلسطينيون في لبنان عنصراً اساسياً في الحرب الأهلية التي اندلعت في ذلك التاريخ فنظر اليهم على انهم "جيش السنة" ودفعوا هم ثمن ذلك الدخول والدور وما زالوا حتى الآن يدفعون بمفاعيل رجعية.

والخطأ الثاني كان خطأ انحياز الفلسطينيين في الكويت الى جانب الغزاة العراقيين لهذا البلد عام 1990 مما افضى بعد خروج الجيش العراقي الى ان يدفع جميع الفلسطينيين المقيمين في الكويت الثمن الباهظ اذ طردوا منها وفقدوا ميزات لم تكن لسواهم في هذا البلد.

وبمفعول رجعي دفع الفلسطينيون المقيمون في العراق الثمن الكبير ايضاً بعد سقوط نظام صدام حسين اذ طردوا ايضاً جميعاً من هناك.

وبناء على هذه التجارب ذات الحصاد المر كان للقيادة الرسمية الفلسطينية موقف مميز في لبنان ليس وليد الأمس بل يرقى الى زمن بعيد اثبتت فيه دوماً انها على مسافة واحدة من جميع الاطراف في لبنان وانها تتحاشى تكرار تجارب ما بعد 1970، وقد اثبتت ذلك بشكل حاسم وحازم بالامس في صيدا وعين الحلوة وتعمير عين الحلوة فبددت كل رهانات الاسير ودعواته لجذب متعاطفين معه الى ميدان المواجهة على نحو يغير المسار على رغم ان ثلث قوته الضاربة هو بالاصل من العناصر الفلسطينية. اما حركة "حماس"فقد انطلقت في خط النأي عن معركة الأسير من حسابات لم يمر عليها الزمن.

فمعلوم ان الحركة الاسلامية التوجه، تبذل في الآونة الاخيرة جهوداً كبرى لتدرأ عن نفسها شبهة الضلوع بشكل او بآخر في الأحداث في سوريا ومن موقع المتعاطف مع المجموعات المعارضة للنظام الذي عاشت لفترة طويلة في كنفه، فبدت بخروجها من هناك وكأنها ناكرة للجميل.

ولقد تحمل الفلسطينيون في سوريا (تعدادهم هناك يقارب تعدادهم في لبنان) وزر هذا الوضع، وخصوصا اللاجئين في مخيم اليرموك القريب من العاصمة. وثمة معلومات مستقاة من الجانب الفلسطيني نفسه، تشير الى ان فلسطينيي سوريا دفعوا حتى الآن أكثر من 7 آلاف قتيل وآلاف الجرحى، فضلاً عن اكثر من 60 الف نازح غالبيتهم انضموا الى النازحين في لبنان.

ولم تفقد "حماس" علاقتها الوثقى مع دمشق فحسب، بل ان موقفها من الاحداث في سوريا ترك انعكاسات سلبية على علاقتها بطهران وبـ"حزب الله" وبمحورهما، فضلاً عن ظهور ولو خجولاً لتعارضات في داخل قيادة الحركة وجسمها في الداخل الفلسطيني وفي الشتات. وعليه أعلنت الحركة اخيراً ما يشبه "النفير العام" اثر اعلانها انها تتعرض لهجمة شرسة وان عليها واجب درء هذه الهجمة وخصوصاً في لبنان، فركزت خلال الاشهر الماضية على مسألة اساسية وهي انها تحرص على استقلاليتها وعدم ارتباطها بأي طرف لبناني وانها لن تكون بأي شكل من الأشكال في خندق واحد مع أي جهة لبنانية تريد ان تفتح ابواب المواجهات وتصفي الحسابات.

وبناء على ذلك اثبتت "حماس" بالأمس في صيدا انها خارج حسابات او رهانات اي طرف، واظهرت استطراداً انها تريد استرداد ما فقدته من دور وسمعة وعلاقات وخصوصاً ان قياداتها لم تخف ان الاسير وسواه اتصلوا بعين الحلوة وبمن فيه اكثر من مرة طالبين النجدة والمدد فلم يجدوا الابواب مفتوحة ولا الآذان صاغية.

وهكذا اثبت الفلسطينيون في لبنان على اختلاف انتماءاتهم وميولهم انهم شبّوا عن الطوق، ولم يعودوا احتياطاً لأي جهة، أو لم يعودوا حقل تجارب لمشاريع مشبوهة ومدمرة مثل مشروع شاكر العبسي.، واستطراداً لم يعودوا بندقية للإيجار.

وغالب الظن انهم اتعظوا من العبر والدروس ولو متأخرين!

المصدر: 
النهار