أوروبا الموحدة - المختلفة : التدخل في العملية السياسية

بقلم: 

طوال الوقت كان هناك جدل في أوروبا حول الدور الذي ينبغي أن تضطلع به في الصراع الفلسطيني والعربي - الإسرائيلي، ولكنها كانت تستسيغ البقاء على الحياد والاكتفاء بدور الممول للفلسطينيين، والتسليم بقيادة الولايات المتحدة للعملية السياسية.

والمرة الوحيدة التي كان لأوروبا موقف مهم ومؤثر كانت في العام 1980 في إعلان البندقية الشهير الذي تحدث عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحقه في دولة مستقلة.

ومنذ ذلك الوقت وأوروبا تعبر عن موقف سياسي جيد ومقبول فلسطينياً ولكنه غير مؤثر دولياً، لأن المواقف الأوروبية غير مقرونة بتدخل فاعل يتجاوز التصريحات وتقديم الدعم المادي.

وهذا يختلف عن موقف الاتحاد الأوروبي عندما يتعلق الأمر بتأييد موقف الولايات المتحدة من صراعات أخرى كما حصل في العراق وليبيا وما قد يحصل في سورية وعندما يصل مستوى التدخل لاستخدام القوة العسكرية، وإرسال جنود إلى هذه المناطق.

ولكن على ما يبدو هناك تغير في الموقف الأوروبي من مسألة البقاء على الحياد في قضية الصراع مع إسرائيل، وهناك تملل حقيقي في أوساط السياسيين والديبلوماسيين الأوروبيين الذي يشعرون بأن أوروبا تخسر من البقاء على الحياد، لسبب جوهري يتعلق بمصلحة أوروبا التي باتت تتأثر بالتطورات الحاصلة في المنطقة والتي يتجاوز تأثيرها مجرد المساس بالاستثمارات وبالمصالح الموجودة في دول المنطقة، والتي تحتاج إلى الاستقرار السياسي والامني إلى مستوى التهديد الداخلي بسبب وجود شريحة مهمة من سكان الدول الأوروبية الكبيرة تنتمي في أصولها للمنطقة العربية والإسلامية. وتبقى المشكلة في توسع الاتحاد الأوروبي بانضمام دول من أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ونظام أخذ القرارات في الاتحاد الأوروبي بالإجماع.

وهذه المشكلة جعلت البعض يقول انه لم يعد هناك اتحاد بسبب صعوبة اتخاذ قرارات موحدة في القضايا السياسية والاقتصادية، وبالتالي يكفي ان تكون دولة أو أكثر معارضة لموقف ما لكي تعطل قرارا أوروبيا معينا.

عند الحديث عن القضية الفلسطينية هناك على الأقل ثلاث دول موقفها سلبي تجاه فلسطين أو على وجه الدقة هي مؤيدة تماماً لإسرائيل وترفض أي شكل من أشكال الضغوط عليها، وهذه الدول هي: هولندا وألمانيا وتشيكيا.

ولقد تسنى لنا القيام بزيارة إلى هذه الدول ولقاء مسؤولين سياسيين وباحثين، بهدف إقناع الجهات المؤثرة باتخاذ موقف أوروبي فاعل وضاغط لإنقاذ العملية السياسية التي تواجه مصير الانهيار التام والوصول إلى نهاية حتمية اذا فشلت مساعي وزير الخارجية الأميركية جون كيري ووصلت إلى طريق مسدود. فنهاية الجهود الأميركية تعني نهاية خط العملية التي بدأت باتفاق أوسلو ووصلت إلى حالة من الجمود التام خاصة بعد تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة في إسرائيل لفترتين متتاليتين.

والموقف العام فيها هو الوقوف بشكل سلبي في انتظار ما يمكن أن ينجزه الأميركان، وإذا لم يفلحوا فعلى الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إيجاد طريقهما للمفاوضات والاتفاق، على الرغم من أن إحدى الصحف الهولندية نشرت قبل يومين ان هنالك وساطة هولندية استمرت حوالي العام بين طرفي الصراع وأنها توقفت بعد أن بدأت مساعي كيري في المنطقة في شهر آذار الماضي.

وبعض المصادر الهولندية تحمل الطرفين المسؤولية عن فشل جهود الوساطة الهولندية التي شملت زيارة شخصية فلسطينية على علاقة بالمفاوضات وشخصية إسرائيلية شبيهة.

هناك خطوات معينة وكثيرة يمكن أن يقوم بها الاتحاد الأوروبي لدفع العملية السياسية حتى لو لم يرغب في التدخل مباشرة في المفاوضات وإبقاء هذا الملف حصراً بيد الولايات المتحدة. وذلك حرصاً على المصالح الأوروبية في المنطقة وحتى في دول الاتحاد نفسها.

وأولى هذه الخطوات عدم قبول المساواة في تحمل مسؤولية فشل العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فمن غير المنصف اتهام القيادة الفلسطينية أنها ترفض التوصل إلى سلام يقود إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة في حدود العام 1967.

فحتى الآن لم يعرض احد من رؤساء الحكومات في إسرائيل على القيادة الفلسطينية مفاوضات على أساس حدود العام 1967 باستثناء إيهود اولمرت الذي بدأ مفاوضات مع الرئيس أبو مازن على أساس خط 1967،

وبالتالي لا احد يستطيع لوم الجانب الفلسطيني على عدم التقدم في المفاوضات والتوصل إلى حل، سياسي للصراع، وعليه يجب تحميل إسرائيل مسؤولية فشل عملية السلام.

الخطوة الثانية التي يمكن ان يقوم بها الاتحاد الأوروبي هي الاعتراف الكامل بدولة فلسطين وجعلها واقعاً على الأرض من خلال رفع مستوى التمثيل الأوروبي إلى سفارات كاملة وخصوصاً القنصليات في القدس المحتلة. وتنفيذ مشاريع بنية تحتية قوية في مناطق (ج) باعتبارها تخضع للدولة الفلسطينية المحتلة أراضيها، وهذا قد يتطلب الدخول في مواجهة محدودة مع إسرائيل التي ستضطر في نهاية المطاف إلى الرضوخ للضغوط الأوروبية على اعتبار أن الاتحاد الأوروبي الشريك الأهم والأكبر لإسرائيل اقتصادياً، من جانب آخر تشديد الخناق على المستوطنين بمقاطعة بضائعهم وعدم معاملتها بنفس أولوية بضائع دولة إسرائيل، وأيضاً منع الشركات الأوروبية من العمل والاستثمار في المستوطنات.

من ناحية أخرى ينبغي مساعدة فلسطين في الانضمام للمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة وعلى رأسها محكمة الجنايات الدولية لملاحقة قادة إسرائيل قضائياً على جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني.

وهذا الخط يجب أن يكون الخطوة التالية التي تقدم عليها القيادة الفلسطينية، اذا تم الإعلان عن فشل جهود كيري في احياء عملية المفاوضات.

وهذا يفرض التوجه نحو محكمة العدل الدولية للحصول على قرار قانوني بخصوص الاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين وما يمكن أن يترتب على ذلك دولياً.

اما اذا أراد الاتحاد الأوروبي ان يلعب دوراً فاعلاً على المستوى السياسي فيمكنه ذلك مجتمعاً أو من خلال الدول الكبرى كأن يقوم بالدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام بمشاركة الأطراف المعنية محلياً واقليمياً ودولياً تحت رعاية الامم المتحدة وبناء على قراراتها التي تقع المبادرة العربية للسلام في مركزها وكذلك الأخذ بالاعتبار اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين.

ويمكن ان يتم التعامل مع مخرجات هذا المؤتمر باعتبارها ملزمة من الناحية الدولية ويمكن إصدارها في قرار أممي.

والمغزى هو ان الوضع على ساحة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لم يعد يحتمل الانتظار فإما ينجح الأميركيون وإما يتدخل المجتمع الدولي وإما يحدث مالا تحمد عقباه ونعود مجدداً لدائرة الصراع الذي قد لا يخلو من العنف والفوضى اللذين يهددان جميع الأطراف والسلم والاستقرار الدوليين.

 

 

 

 

المصدر: 
الأيام