الدولة الديمقراطية الواحدة: الإجابة على أسئلة مشروعة

بقلم: 

حقا لقد اثارت انطلاقة الحركة الشعبية لدولة ديمقراطية واحدة على فلسطين التاريخية ردود فعل واسعة ومتناقضة، كما أثارت الفكرة أسئلة كثيرة منها ما أثاره الأخ العزيز حماده فراعنه ومنها اثارة غيره في الصحف والمواقع الإلكترونية وهذه ظاهرة صحية تؤدي الى اثارة الجدل حول حل الدولة الواحدة، وكما تؤدي الى تطور الفهم لهذه الفكرة وتطور الفكرة ذاتها.

اما التساؤل حول إمكانية قبول إسرائيل بحل الدولة الواحدة وسماحها بنجاح خطوات الوصول الى دولة ديمقراطية واحدة، فليس لدينا وهم بأن النظام السياسي الصهيوني في اسرائيل يقبل الفكرة، بل ان ردود الفعل الإسرائيلية تبين مدى الرعب الذي يجتاح الكيان الصهيوني من هذا الطرح. فبعضهم ذهب الى القول بأن إسرائيل لن تقبل الانتحار، والبعض الاخر حاول استخدامها في سياق (البروبوغاندا ) الصهيونية فيقول ان هذا اثبات بأن الفلسطينيين لا يقبلون بوجود إسرائيل. ولعلنا نذكر موقف أولمرت في مؤتمر هيرتسليا 2008 الذي حذر المؤتمرين بان استمرار منع إقامة دولة فلسطينية سيجلب الكارثة للمشروع الصهيوني عبر نجاح مشروع دولة واحدة حيث بدأت أوروبا الرسمية تفكر بهذا الخيار .

ولكن هل تقبل اسرائيل بأي شيء اقل من دولة يهودية، لقد قبلت منظمة التحرير الفلسطينية بحل الدولتين، وقد انطلقت المسيرة السلمية من مدريد الى اوسلو على أساس حل الدولتين، رغم الإجحاف الذي يلحق بالشعب الفلسطيني جراء هذا الحل، فحل الدولتين لا يعطي إجابة على مسألة اللاجئين. ولا يجيب حول حقوق شعبنا في أراضي 48 والقدس والوحدة الجغرافية لأراضي الدولة الفلسطينية. ولكن عملت إسرائيل بشكل ممنهج على تدمير حل الدولتين، بحيث نرى اليوم ان حل الدولتين لم يعد ممكنا بعد ان قامت إسرائيل بتهويد القدس وزجت بأكثر من ستمائة ألف مستوطن في الضفة الغربية. وقامت بتطهير عرقي في غور الأردن فقطعت المياه عن المزارعين الفلسطينيين وهدمت بيوتهم وأجبرتهم بالقوة العسكرية على إخلاء الغور، وأقامت فيه شريطا من المستوطنات يمتد من بيسان الى وادي عربة وبالتالي وضعت حدودها نهر الأردن. ولذلك يجب ان تقرأ الواقع في الضفة الغربية كما هو وليس كما نتمناه.

فإسرائيل لا تقبل أي شيء ولا تريد تقليص الدعم المالي للمستوطنات كما صرح به علانية بائير لابيد وزير المالية الإسرائيلي لصحيفة "نيويورك تايمز" قبل أيام.

فطالما اصبح حل الدولتين غير ممكن فما هي الخيارات المتبقية أمام الفلسطينيين، هل نعلن الاستسلام ونقبل العيش في "غيتوات" او جزر ومعازل عنصرية كما كان حال السود في جنوب افريقيا إبان الحكم العنصري، أم أننا يجب ان نفكر باستراتيجية جديدة تعطي حلاً إنسانياً وحضارياً للصراع في فلسطين التاريخية ألا وهو الحل الديمقراطي .

الدعاية الصهيونية عملت طيلة الوقت على لعب دور الضحية بدعايتها الكاذبة بان الفلسطينيين بل العرب يريدون ان يلقوا اليهود في البحر .

فطرح الدولة الديمقراطية الواحدة يعري هذه الأكاذيب ويبعث رسالة الى اليهود باننا كشعب نريد العيش في دولة ديمقراطية تقوم على أساس الحرية والعدالة والمساواة دولة لجميع سكانها وللاجئين الذين لهم الحق المقر من الشرعية الدولية بالعودة الى ديارهم، والتعويض عن عذاباتهم .

ولا يكفي ان نؤمن بالدولة الديمقراطية الواحدة بل يجب العمل على الأرض من اجل تحويلها إلى حقيقه واقعة، وذلك أولا بخلق إجماع فلسطيني على حل الدولة الواحدة وتوحيد الشعب الفلسطيني خلف استراتيجية واحدة. منذ النكبة 1948 تم التعامل مع الشعب الفلسطيني كأجزاء فقلنا للفلسطينيين في أراضي 48 بعد أوسلو أنكم إسرائيليون ويجب ان تندمجوا في المجتمع الإسرائيلي. وقبلنا بحل الدولتين من اجل حل مشكلة الاراضي المحتلة العام 1967، ولم نجد حلا لمسألة اللاجئين الذين لا زالوا يعيشون في مخيمات الشتات وفي الضفة الغربية وقطاع غزة بل وحتى في أراضي 48 .

فقد فشلت كل الحلول المجزوءة لمشكلة الشعب الفلسطيني، فالفلسطينيون في إسرائيل يعانون التمييز العنصري بأبشع أشكاله، فقد جردتهم إسرائيل من أراضيهم وتريد منا اليوم أن نعترف بإسرائيل دولة يهودية بمعنى شطب حق الفلسطينيين في وطنهم، وكأننا نحن من نحتل إسرائيل. ولم نحصل على دولة في حدود الرابع من حزيران ولم نحل مشكلة اللاجئين .

لذلك يجب التعامل مع الشعب الفلسطيني كشعب واحد، وان نفكر في حل مشكلته كشعب. ولا يتم ذلك الا في إطار دولة ديمقراطية واحدة تكفل لهم العيش بمساواة دون تمييز على أساس العرق أوالدين أو اي شكل من أشكال التمييز ضده.

ويجب ان نوضح للجمهور الإسرائيلي أننا نرفض العيش في ظل نظام تمييز عنصري وان وضع حد للصراع الدامي الذي استمر اكثر من قرن من الزمن هو فقط بقبول العيش المشترك في نظام ديمقراطي بمساواة في الحقوق .

ان طرح الدولة الديمقراطية الواحدة هو تحد للمجتمع الفلسطيني والمجتمع الإسرائيلي وللعالم المتحضر. نحن ننادي بالحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة، أليست هذه قيم العالم الحر اليوم؟

يجب ان نضع المجتمع الدولي أمام خيار بين دعم القيم التي يؤمن بها او دعم العنصرية والفاشية، علينا ان نضع إسرائيل أمام العالم في إطار دولة أبرتهايد من خلال تسليط الضوء على القوانين والسياسات والإجراءات العنصرية على الأرض، حتى نضع المجتمع الدولي امام مسؤولية أخلاقية، وان دعم إسرائيل يعني دعم الأبرتهايد، وصولا الى فرض مقاطعة وحصار اقتصادي، سياسي ثقافي ودبلوماسي لهذا الكيان العنصري من قبل دول الإقليم العربي والإسلامي والعالمي، ما سيجعل إسرائيل ترضخ للخيار الديمقراطي.

ولدينا تجربة حية وماثلة امامنا وهي تجربة جنوب افريقيا، فعندما طرح منديلا شعار دولة لجميع مواطنيها في ميثاق الحرية العام 1958 كان ربما الكثير في ذلك الوقت وحتى من السود انفسهم يستبعدون رضوخ النظام العنصري وقبوله بالمساواة والحل الديمقراطي. ولكن هذا تحقق بعد 27 عاما نتيجة للضغط العالمي والحصار والمقاطعة للنظام العنصري.

واما كوننا فصيلا سياسيا جديدا، فليس هذا هو الواقع بالنسبة للحركة الشعبية لدولة ديمقراطية واحدة في فلسطين التاريخية. فهذه حركة شعبية تسعى الى توحيد الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده خلف استراتيجية واحدة. فالفكرة تصبح قوة سياسية اذا تم تبنيها من قبل جماهير الشعب. وان وجود أعضاء من تنظيمات فلسطينية مختلفة في هذا الإطار هو بصفتهم الشخصية، ولا يعني انهم تركوا تنظيماتهم. وإنما هو تعبير عن قناعتهم بهذا السيناريو واستعدادهم للنضال داخل تنظيماتهم من اجل تبني هذه الاستراتيجية. ويجب العلم ان الشعب الفلسطيني ليس جمعية منضوية تحت الأطر التنظيمية التقليدية، فتبني الفكرة من قبل الجمهور الفلسطيني يكسبها قوة كبيرة.

ولقد قلنا ان هناك مجموعات فلسطينية يهودية في داخل إسرائيل تتبنى حل الدولة الديمقراطية الواحدة على فلسطين التاريخية. وتناضل من اجل توعية الجمهور الإسرائيلي بإيجابيات هذا الحل، وتناضل من اجل كسب المزيد من المؤيدين لهذا الحل. ونحن من جانبنا سنسعى الى التواصل مع المجتمع الإسرائيلي بشتى السبل لتبديد الخوف لدى الجمهور اليهودي من فكرة التعايش المشترك، وتغيير الثقافة العنصرية التي عبأتهم بها الحركة الصهيونية.

أما المجموعات التي نتواصل معها في أوروبا وأميركا هي مجموعات نخبوية من مثقفين ومفكرين فلسطينيين ويهود ومن جنسيات مختلفة ونسعى للتنسيق معها من اجل إنشاء حركة عالمية من اجل الدولة الديمقراطية الواحدة، وليس المقصود التوجه لليهود في أوروبا وأميركا رغم ان هذا قد يخدم الفكرة.

في الختام فإننا نعتبر ان فكرة قيام دولة ديمقراطية واحدة على فلسطين التاريخية هي استراتيجية كفاحية على المدى القصير واستراتيجية حل على المدى المتوسط او البعيد ولكنها خطوة في الاتجاه الصحيح.

 

* استاذ العلوم السياسية في جامعة القدس.

 

 

المصدر: 
الأيام