رئيس الحكومة الكوسوفية يدشّن نصب «الهولوكست» في قلب بريشتينا

بقلم: 

مع الذكرى 65 لقيام إسرائيل، الذي يستذكره الفلسطينيون تحت مسمى «النكبة»، يروّج كل طرف لمصطلحاته التي بنى عليها هويته أو دولته وعلاقته مع الآخر. ومن هذه المصطلحات «الهولوكست» أو المحرقة النازية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية الذي أصبح نكرانه يدخل في إطار معاداة السامية. وفي هذا الإطار تبذل مساع في الفترة الأخيرة لجعل «الهولوكست» حاضراً في الكتب المدرسية وفي الساحات والمتاحف في دول البلقان، وبخاصة في تلك التي يمثل المسلمون فيها ثقلاً مؤثراً (ألبانيا وكوسوفو ومكدونيا) ليكون ذلك «ملهماً» لبقية العالم الإسلامي. وفي هذه المناسبة (الذكرى الـ 65 لقيام إسرائيل) قامت الإدارة الأميركية بتنظيم زيارة جماعية لأئمة مسلمين من البوسنة وتركيا والمغرب وإندونيسيا وغيرها إلى معسكر أوشفيتز النازي والمتحف الجديد للهولوكست في العاصمة البولونية وارسو في 23 أيار(مايو) ضمن مساعيها لأجل تعريف أو تنوير العالم الإسلامي بالهولوكست.
وفي هذا السياق قد (لا) يبدو من المصادفة أن يقام خلال الشهر ذاته أيار، الذي يصادف الذكرى الـ 65 لقيام إسرائيل، احتفال في سكوبيه عاصمة «جمهورية مكدونيا» بمناسبة الافتتاح الرسمي لمتحف الهولوكست، واحتفال في بريشتينا عاصمة «جمهورية كوسوفو» لتدشين نصب تذكاري للهولوكست في قلب المدينة في الوقت الذي كان فيه الأئمة المسلمون يزورون معسكر أوشفيتز والمتحف الجديد للهولوكست في وارسو.

اليهود والغجر
ومع الفارق الكبير بين ما كان يعنيه الوجود اليهودي في «جمهورية مكدونيا» والوجود اليهودي في «جمهورية كوسوفو»، الذي لم يكن يتعدى المئات خلال الحكم العثماني ولا يتعدى الآن العشرات أي أقل بكثير من الغجر الذين تزخر بهم كوسوفو ولهم نائب في البرلمان وكانوا أيضاً من ضحايا الهولوكست، فإن الاحتفال بتدشين نصب الهولوكست في قلب بريشتينا لم يمر دون تحفظات من المعارضة والمجتمع المدني الكوسوفي.
وكان رئيس الحكومة الكوسوفية هاشم ثاتشي قد قام ظهر الخميس 23 أيار بتدشين النصب التذكاري للهولوكست في المكان الذي وجد فيه كنيس لليهود في قلب بريشتينا العثمانية، الذي هدم جزء منها في بداية الحكم الشيوعي لكي يبنى هناك مقر البرلمان الكوسوفي ومقر الحكومة الكوسوفية الحالية. ووجد ثاتشي فرصة لانتقاد الحكم الشيوعي على اضطهاده اليهود دون أن يذكر بالمقابل أن هدم ذلك الجزء من بريشتينا العثمانية شمل أيضاً أحد أقدم الجوامع (جامع يوسف أفندي من عام1551) لبناء أحدث فندق في المدينة (بوجور)، الذي كان يستحق أيضاً أن يوضع نصب يُذكّر به.
وقد أضاف ثاتشي في كلمته بهذه المناسبة أن الهدف من نصب المحرقة «أن نتذكر دائماً آثار التنوع ووجود اليهود الذي كان حاضراً على مر القرون في كوسوفو». وقد جاء للمشاركة في هذا الاحتفال حاخام بروكسل ليفي ماتوسوف والسفير الإسرائيلي في بلغراد يوسف ليفي، الذي قال بهذه المناسبة إنه «يشعر بالاعتزاز بسبب هذا الاحترام الذي يبديه الكوسوفيون إزاء اليهود».
وفي اليوم ذاته افتتح وزير الثقافة كراسنيتشي معرضاً للصور في المتحف الإثنولوجي في بريشتينا عن الوجود اليهودي في كوسوفو وذكرى المحرقة، وأعلن القرار بإنشاء «متحف التراث اليهودي» ضمن المتحف القومي الكوسوفي، وأن هذا المشروع سيتم بالتعاون مع المهندس اليهودي المعروف آرون أراد.
وقد شارك في افتتاح المعرض عضو مجلس الشيوخ الأميركي اليوت انجل، الذي قال في كلمته «إن إقامة هذا المعرض واستذكار الهولوكست يدلان على الصداقة والثقافة الرفيعة واحترام التنوع الثقافي والديني لشعب كوسوفو». وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الخارجية الأميركية كانت قد أصدرت قبل يوم واحد فقط (22/5/2013) تقريرها السنوي عن «التنوع الثقافي والإثني والديني في كوسوفو»، حيث ورد أن في كوسوفو 95،6 في المئة ألبان مسلمون و 2،2 في المئة ألبان كاثوليك و 1،4 في المئة صرب أورثوذكس و1 في المئة حوالى عشر مجموعات إثنية (غجر ومصريون وأتراك الخ).

لا تشاور مع البرلمان
ولكن هذا الاحتفاء بذكرى الهولوكست لم يمر دون تحفظات للمعارضة ومنظمات المجتمع المدني في كوسوفو. وجاء أقوى التحفظات على لسان نائب رئيس البرلمان الكوسوفي ورئيس التجمع البرلماني لحزب «حق تقرير المصير» (الثالث في البرلمان) غلاوك كونيوفسا، الذي احتج على تصرف الحكومة الكوسوفية بوضع نصب الهولوكست في الحديقة المشتركة لمبنى البرلمان ومبنى الحكومة من دون أن أخذ موافقة البرلمان.
واعتبرت «الرابطة الألبانية الأميركية»، أن التعبير الوارد في البرنامج الرسمي لتدشين نصب الهولوكست عن أنه يمثّل «الصداقة الأبدية بين شعب كوسوفو وشعب إسرائيل» لا يعبر عن واقع الحال بين الدولتين. فقد اعترفت أكثر من نصف الدول العربية وأكثر من نصف أعضاء منظمة التعاون الإسلامي باستقلال كوسوفو بينما لم تعترف إسرائيل بالدولة الكوسوفية حتى الآن.
ويرى بعض المراقبين أن هذا التركيز على تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكوسوفو باعتبارها أول دولة أوروبية من حيث نسبة المسلمين فيها (حوالى 96 في المئة) جزء من تطبيع العلاقات مع أكبر شعب مسلم في أوروبا الجنوبية الشرقية (الألبان) انطلاقاً من أن مشكلة إسرائيل هي مع العرب، أو مع بعض العرب والفلسطينيين، وليست مع المسلمين. كما يربط بعض المراقبين هذا الاحتفاء الكوسوفي الرسمي بـ «التراث اليهودي في كوسوفو» بالاعتداء الغامض الذي تعرضت له مقبرة اليهود في بريشتينا قبل شهور ووضعت خلاله شعارات نازية على القبور، وهو الأمر الذي ينسبه البعض إلى تزايد الإسلام السلفي في كوسوفو خلال السنوات الأخيرة.

المصدر: 
الحياة