الجولة الرابعة لكيري: الممكن وغير الممكن!

بقلم: 

منذ تعيينه في منصبه وزير خارجية في يناير 2013، قام كيري بأربع زيارات للشرق الأوسط، واضعاً على رأس أولوياته خلالها، العمل على إعادة إطلاق مفاوضات السلام المتوقفة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وزيارته الأخيرة للمنطقة الأسبوع الماضي، لم تكن أكثر نجاحاً من الزيارات السابقة. ففي كلمة له في الثالث والعشرين من مايو، بدا فيها كما لو كان يناشد الأطراف تقديم يد العون، قال كيرى: «إنني أعرف هذه المنطقة بشكل جيد إلى الدرجة التي تسمح لي بمعرفة أن هناك شكوكاً في بعض الأروقة، ولا مبالاة في أروقة أخرى؛ وأن هناك أسباباً لهذا وذاك، تراكمت على مدى سنوات طويلة من الإحباطات».

بيد أن لا شيء مما حدث خلال زيارته كان له أثر في تحريك عملية السلام للأمام. وهناك عدة أسباب تدعو للاعتقاد بأن مهمة كيري تبدو يائسة: أولاً، أن الإسرائيليين والفلسطينيين لم يظهروا أي رغبة في التوصل لتوافق يعتبر شرطاً ضرورياً لتحقيق التسوية المطلوبة. ثانياً، أن انتفاضات «الربيع العربي» لم يخْبُ أوارها حتى الآن، كما أن الحرب في سوريا تقف في الوقت الراهن على حافة تصعيد قد تترتب عليه نتائج في غاية الخطورة.

هناك عوامل أخرى بخلاف ذلك، منها على سبيل المثال أن الحكومة الإسرائيلية ليست واقعة في الوقت الراهن تحت ضغط مباشر من جهة ناخبيها، يدفعها للبدء في جولة جديدة من مباحثات السلام. فالانتخابات الأخيرة التي جرت في إسرائيل، والتي أضعفت موقف نتنياهو وقلصت من قدرته على القيادة ركزت بشكل يكاد يكون حصرياً على الموضوعات المحلية والاقتصادية والاجتماعية، من قبيل الفجوة المالية المتزايدة بين الفقراء والأغنياء، والصراع الأيديولوجي بين الأحزاب العلمانية والأحزاب الدينية المتشددة.

والمسألتان الأكثر إلحاحاً خلال تلك الانتخابات كانتا تتعلقان برفض اليهود الأرثوذكس المتطرفين الخضوع لنظام القرعة والخدمة في القوات المسلحة، وبمطالبتهم في الوقت نفسه بالحصول على دفعات مالية سخية من نظام دولة الرعاية. ويشار إلى أنه لا يوجد في الوقت الراهن أي حزب في الساحة السياسية الإسرائيلية لديه اهتمام يذكر بالمطالبة بتسوية إقليمية مع الفلسطينيين، لأن الجميع تقريباً يدركون أنه من دون تقديم تنازلات لن تكون التسوية وحل الدولتين أمراً ممكناً.

وعلاوة على ذلك، فإن درجة عدم اليقين المحيطة بمستقبل المنطقة، تجعل من أي فكرة عن تقديم المزيد من التنازلات في الضفة الغربية فكرة غير متقبلة لحد كبير بالنسبة لمعظم الإسرائيليين.

الوضع كان سيكون مختلفاً، لو أن الفلسطينيين كانوا منظمين ومتحدين، في تصميمهم على التوصل لصفقة مع إسرائيل، لكن المشكلة أنهم لا يمتلكون قيادة قوية في الوقت الراهن، كما لا يوجد هناك احتمال لعقد مصالحة بين «فتح» و«حماس» في المستقبل المنظور. فحركة «فتح» تصر على أن إسرائيل يجب أن تعلق بناء المستوطنات كشرط مسبق للمباحثات، أما «حماس» فتعلن في كل مناسبة أنها لن توافق على عقد أي اتفاقية مع إسرائيل إذا ما كان ذلك يتطلب منها الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود.

وعلاوة على ما تقدم، فإن الإسرائيليين والفلسطينيين ما زالوا رهينة للأحداث التي تقع على حدودهم، والتي تزاد عنفاً بشكل مطرد، خصوصاً المرتبط منها بالحرب الأهلية في سوريا.

وفي الخامس والعشرين من مايو، وهو التاريخ الذي يوافق الذكرى الثالثة عشر لانسحاب إسرائيل من لبنان، قال أمين عام «حزب الله» اللبناني، وفي خطاب متلفز، إن دعم حزبه لنظام الأسد قد وصل خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى «مرحلة جديدة تماماً»، مرحلة ترمي لـ«تعزيز المقاومة وحماية عمودها الفقري». وقد تعرّض هذا الخطاب لهجوم عنيف من السياسيين اللبنانيين من غير الشيعة. وبعد ذلك الخطاب بيوم واحد، أُطلقت صواريخ على الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله» في العاصمة اللبنانية. وفي الوقت ذاته، وقع قتال عنيف بين السنة والعلويين الشيعة في مدينة طرابلس الواقعة شمال لبنان، أسفر عن مصرع 28 شخصاً وإصابة 200 آخرين. وقبل ذلك التاريخ بأسابيع قليلة شنّت الطائرات الحربية الإسرائيلية هجوماً على أهداف داخل سوريا يعتقد أنها تضمنت شحنات من الأسلحة الإيرانية كانت في طريقها لـ«حزب الله» في لبنان.

ومع هذا الموقف المتوتر، وانخراط العديد من الدول والمجموعات المسلحة في التطورات، فإن حدوث تصعيد دراماتيكي في الصراع يغدو أمراً ممكناً. ولو حدث مثل هذا التصعيد، فإنه سيجر على الفور كلا من لبنان وتركيا والأردن وإسرائيل إلى أتون الأزمة في الوقت نفسه الذي يتواصل فيه الدعم الروسي والإيراني لنظام الأسد.

وكل ذلك سوف يوفر الظروف الملائمة لنشوب حرب إقليمية قد تترتب عليه نتائج خطيرة للغاية. ومن غير المتوقع في هذه الحالة أن تتمكن الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا من البقاء بعيداً، وهناك احتمالات قوية لانخراطهم في القتال بشكل مباشر بأنفسهم.

وطالما استمر هذا التوتر الذي يزداد تفاقماً على الدوام، واستمر تأثيره على السياسات الإقليمية، فإن احتمال حدوث مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين سوف يكون بعيداً. وفي نقطة ما قد يرى كيري أنه من الأفضل له أن ينفق وقته على أولويات أخرى للسياسة الخارجية، يمكن أن يحقق فيها إنجازات ملموسة بدلاً من السعي لتحقيق أهداف تلوح عصية على التحقيق.

المصدر: 
الاتحاد