أنفاق ورهائن

بقلم: 

قد تحل مشكلة المجندين المصريين المختطفين في سيناء في ساعات أو بعد أيام بشكل أو بآخر، لكنها يجب أن تطرح التفكير في المشكلة الأكبر التي أدت إلى هذا الوضع وهي الأزمة الأمنية في سيناء والواضح أنها تتفاقم منذ سنوات.

فقد جاءت الأزمة الأخيرة باختطاف الجنود خلال ذهابهم أو عودتهم من إجازاتهم حسب تقارير الصحف المصرية على يد جماعات متطرفة يبدو أنها مدربة على السلاح ومنظمة على خلفية أوضاع أمنية متدهورة ظهرت بشكل حاد بعد الانفلات الأمني الذي حدث في أعقاب 25 يناير وإطاحة النظام السابق.

لكن جذور الاضطراب الأمني تعود إلى سنوات سابقة، وكان واضحا أن هناك مشكلة في قبضة السلطة المصرية على الأوضاع في شبه الجزيرة التي خاضت مصر حربا في 1973 بعد 7 سنوات من الحشد العسكري والاقتصادي والأمني لاستعادتها، ووجدت الآن أن جنودها أصبحوا مستهدفين الآن فيها، ويظهرون معصوبي الأعين في شرائط فيديو استفزازية يبثها خاطفوهم على غرار أشرطة «القاعدة» الشهيرة.

هناك أسباب لهذا الوضع في سيناء، وكانت واضحة لكثيرين في مصر خاصة منها المتعلق بالقيود التي تضعها معاهدة السلام مع إسرائيل على عدد القوات والوجود الأمني في الشريط الحدودي بما خلق فراغا أمنيا استغله أولا المهربون وبعدها جاءت الجماعات المتطرفة وقد دفع ذلك عددا من المسؤولين المصريين السابقين إلى المطالبة بالدخول في مفاوضات لتعديل معاهدة السلام بما يسمح بإحكام السيطرة على هذا الشريط.

أما الجزء الأكبر من المشكلة فجاء بعد بروز ظاهرة الأنفاق على جانبي الحدود بين رفح المصرية وقطاع غزة التي وصل عددها حسب التقارير والتصريحات الصادرة من على جانبي الحدود إلى آلاف الأنفاق في حقبة حكم حماس لقطاع غزة حيث اضطرها الحصار الإسرائيلي إلى الاعتماد على هذه الأنفاق في تهريب السلع والسلاح وكل شيء تحت الأرض بدلا من الشيء الطبيعي وهو التجارة فوق الأرض.

مع الأنفاق، وحكم حماس في غزة الذي نمت على هامشه جماعات جهادية متطرفة لم تستطع الحركة المنتمية إلى الإخوان السيطرة عليها، ازداد التدهور الأمني في سيناء الذي ظهر بوضوح حينما اقتحم عشرات آلاف من غزة الحدود بتشجيع من حماس، وكانت أزمة شديدة وقتها تعرضت فيها القاهرة إلى ضغوط شديدة لفتح الحدود، والتزمت مصر وقتها ضبط نفس تمثل في عدم إطلاق النار.

ومن الصعب تصور أن نمو الأنفاق بهذا الشكل كان يمكن أن يحدث من دون عملية غض طرف من الجانب المصري، وقد يكون ذلك لدواع تتعلق بتخفيف الحصار على الفلسطينيين في غزة وضمان وصول السلع إليهم، وإن كان ذلك فيه تخل عن أحد أوجه السيادة المتمثلة في مراقبة حركة الأفراد والبضائع عبر الحدود.

وكانت صور الأنفاق من الداخل والخارج والسلع من مختلف الأحجام المهربة من خلالها متاحة للصحافة العالمية، بينما تحدثت التقارير عن تحولها إلى شكل من أشكال الشركات والمصالح التجارية الدائمة التي ليس لها مصلحة في أوضاع طبيعية، وتقوم حكومة حماس بإصدار التراخيص وجباية الضرائب من القائمين على إدارتها.

المشكلة في سيناء هي كما يبدو في أنصاف الحلول أو الحلول الوقتية التي قد تنفس أزمة بشكل آني، ولكنها تفتح مشكلة أكبر في المدى الأطول كما رأينا، ومن يضمن أن الاختطافات أو الهجمات من قبل هذه الجماعات المتطرفة لن تتوقف إذا حلت المشكلة الحالية؟

ومع تكرار الحوادث التي تهدد بجعل سيناء حرب استنزاف بالنسبة إلى مصر خاصة بعد حادثة قتل جنود في هجوم العام الماضي أو الاختطاف الحالي وتكرار الهجمات، وظهور هؤلاء المسلحين بشكل علني في سيارات دفع رباعي بأسلحة ليست عادية، يكون من الخطأ تجاهل الحاجة إلى حلول جذرية وحاسمة وعدم التهاون في سيادة وهيبة الدولة وفقد كان التهاون السابق هو السبب في الانفلات الحالي.

قد يكون الحل الأمني ضروريا في مواجهة الجماعات المتطرفة المسلحة، لكن يجب أن تكون هناك حلول سياسية واقتصادية ومجتمعية للقضاء على البيئة والمناخ اللذين سمحا بوجود هذه العناصر واستفادتها من الفراغ هناك. كما يجب أن يكون هناك حل حاسم مع حكومة حماس لتتعاون في ضبط الأمن وتدرك أن هناك عواقب للإضرار بالمصالح المصرية أو تعريضها للخطر. أما قضية الأنفاق فأصبح ليس لها داع بعدما صارت المعابر مفتوحة لحركة الأفراد والبضائع، وإذا كانت هناك مشاريع مشتركة يمكن أن تسهل الحركة فوق الأرض فيجب التسريع بها.

المصدر: 
الشرق الأوسط