سوريا واسرائيل:تحالف استراتيجي

بقلم: 

 

السؤال الكبير حول حيثيات الغارات الجوية الإسرائيلية الكثيفة على دمشق وضواحيها في 5 أيار/مايو الحالي، لايزال كبيراً على رغم مرور نحو الأسبوعين على هذا الحدث:

 لماذا لم يتصد النظام السوري لها، على رغم ماكانت تؤكده واشنطن أناء الليل وأطراف النهار بأن سورية تمتلك شبكة دفاع جوي صاروخي متطورة؟ ثم لماذا لم يرد بعد ذلك بعمليات انتقامية؟

بعض الدوائر القريبة من النظام السوري في لبنان، أرجعت السبب إلى الحرب الأهلية التي دفعت الخبراء الروس الذين يشرفون على النظام الدفاعي إلى مغادرة سورية. وبعض الدوائر الأوروبية قالت أن طائرات الشبح (ستيلث) التي تملكها الولايات المتحدة وحدها، هي التي نفّذت هذه الغارات.

بيد أن صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، نسبت إلى مسؤول إسرائيلي تفسيراً آخر مغايراً تماما. قال: "لو أن الرئيس السوري بشار الأسد رد على الغارات ثم هاجم إسرائيل، أو حاول ضربها بالوكالة عبر إرهابييه، لكان ذلك سيُعتبر مغامرة من قبل نظامه، لأن إسرائيل كانت سترد بشن هجوم مضاد".

هذا التفسير الأخير يبدو أكثر إقناعا، لأنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بكلٍ من الحسابات الخاصة للنظام السوري وبطبيعة العلاقات القائمة بينه وبين تل أبيب منذ نيف و40 سنة.

فدمشق تعلم أن إسرائيل كانت ولا تزال حليفاً غير معلن لها في المعادلات الاستراتيجية الكبرى المتعلقة بتقاسم النفوذ في منطقة الهلال الخصيب، وخاصة في لبنان. أما الخلافات التي تنشب أحياناً بين الطرفين، فهي تتعلق بمدى هذا النفوذ أو بفهم كل طرف له.

أكبر مؤشر على هذه الحقيقة برز العام 2000، حين بدأت القوات الإسرائيلية بالجلاء من جنوب لبنان. حينذاك، أدلى وزير الخارجية  السوري آنذاك فاروق الشرع بتصريح غريب قال فيه أن الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان "هو بمثابة جنون".

بيد أن وجه الغرابة تبدد بعدها بقليل، حين بدأت الضغوط تتصاعد بالتدريج على سورية لحملها على الانسحاب هي الأخرى من لبنان، أسوة بإسرائيل، وصولاً إلى إصدار قرار مجلس الأمن الرقم 1559 الذي سجّل بداية النهاية للوجود السوري في لبنان.

حينذاك اتضحت المعادلة بجلاء: لا احتلال إسرائيلياً لجنوب لبنان تعني أيضاً لا وجود سورياً في شماله وبقاعه. 

إفرايم هاليفي، الرئيس السابق للمخابرات الإسرائيلية (الموساد) في الفترة بين 1998 و2002، ألقى أضواء أكثر على العلاقات المثيرة بين دمشق وتل أبيب، في مقال في العدد الأخير من " فورين أفيرز" " حمل عنواناً أكثر إثارة: " رجل إسرائيل في دمشق " (يقصد الرئيس الأسد).

الأفكار الرئيس في المقال ركزت بقوة على أنه لامصلحة لإسرائيل في تسريع سقوط الأسد، ولا في "استعداء الطائفة العلوية السورية".

ماذا تعني كل هذه المعطيات؟

إنها تعني أن العلاقات بين تل أبيب ودمشق- الأسد لم تهتز على رغم كل شبه الانهيار الذي تعرّض له النظام السوري، وعلى رغم أن إفرايم هاليفي نفسه أكد أن أيام الأسد في السلطة باتت معدودة بالفعل.

السبب؟

إنه على الأرجح الرهان الإسرائيلي الدائم على أن أي كيان علوي قد ينشأ في الساحل السوري، سيكون في حاجة ماسة إلى حماية إقليمية. ولأن إيران، لأسباب إيديولوجية واقتصادية ولوجستية، لن تتمكن من توفير هذه الحماية، ولأن تركيا ومعظم الدول العربية ستعلن الحرب على مثل هذا الكيان، لن يكون أمام قادة هذا الأخير سوى التحالف مع إسرائيل.

ومثل هذا التطور سيكون بداية لرسم خرائط جديدة في منطقة الهلال الخصيب، تتقاسم فيه القوى الإقليمية الرئيس (تركيا، إيران، إلى جانب إسرائيل) مناطق النفوذ على أسس مذهبية وإثنية. 

والأرجح أن النظام السوري، الذي يعي بالطبع هذه الاحتمالات جيداً، قرر عدم التصدي وعدم الرد على الغارات الإسرائيلية وكأنها لم تكن.

أما تهديد الأسد بفتح جبهة الجولان، فيبدو أنه أمر لم يصدّقه سوى زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله، أو على الأقل أراد أن يوحي بأنه يتمنى أن يصدِّق!

المصدر: 
موقع المدن