فياض استقال.. ولم يرحل

بقلم: 

كانت شوارع العاصمة الفلسطينية في الضفة الغربية هادئة يوم السبت، ولكن سلام فياض، الذي استقال من منصبه كرئيس للوزراء قبل ثلاثة أسابيع، لا يزال في مكتبه. أنيق كعادته ويرتدي حلة ورابطة عنق – وغير قادر على الاستمرار، وعلى ما يبدو لا يتم السماح له بالاستمرار. في الواقع، تعد هذه الحالة بمثابة انعكاس لحالة الشلل والفوضى الفلسطينية.

ويعرف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي دخل فياض معه في حالة عداء، أنه بحاجة إلى الاختصاصات الصارمة لرئيس وزرائه المنتهية ولايته. إنه بحاجة إلى جلوس فياض مع الولايات المتحدة وأوروبا والمصادر الرئيسة لتمويل السلطة الفلسطينية المحاصرة، كما يحتاج إلى قبضة فياض الأمنية القوية.

ومع ذلك، يريد الحرس القديم لحركة فتح، بصفقاتهم البارعة، رحيل فياض، بينما تكرهه حركة حماس وترى أنه أداة في يد الولايات المتحدة، في الوقت الذي مل فيه عباس من هذا «الكاهن المتمرد» المتعلم في الولايات المتحدة، ولذا يبدو الرئيس مترددا، حيث يتحدث مع حركة حماس عن «حكومة وحدة وطنية»، ولكنه لا يقوم بما يكفي على أرض الواقع، وما زال فياض جالسا على مكتبه يعمل في الوقت الذي كان يمكنه فيه تناول وجبات خفيفة مع عائلته!

وقال لي فياض: «قصتنا هي قصة فشل القيادة، من البداية. إنه أمر لا يصدق أن يكون مصير الشعب الفلسطيني في أيدي قادة غير مبالين بما يحدث تماما، ويتوجهون بناء على قرارات لحظية من دون أي جدية. إننا لا نسير بناء على استراتيجيات محددة، ولكننا نعقد صفقات بطريقة تكتيكية ونجعل أنفسنا رهائن لخطاباتنا».

وكان فياض قد تقدم باستقالته في الثالث والعشرين من فبراير (شباط) الماضي، ولكن هذه الاستقالة قوبلت بالرفض من قبل عباس. وطالبه الرئيس أوباما – مشيدا بسمعته القوية داخل الكونغرس الأميركي وفي المنطقة – بالبقاء خلال لقائهما الثنائي «الفعال» في مارس (آذار) الماضي. ثم تلقى فياض ثلاث مكالمات هاتفية من وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ولكن دون جدوى، حيث قضى فياض ما يقرب من ست سنوات في وظيفته دون تحقيق ما يصبو إليه فيما يتعلق بعملية السلام، ولذا استقال في الثالث عشر من أبريل (نيسان).

وكانت هذه الاستقالة بمثابة ثورة تطالب بالأفعال لا الأقوال، وبناء الدولة على حساب الشعارات، واتخاذ مواقف براغماتية لا مواقف تعتمد على الحالة النفسية والمزاجية. وكان فكره الأساسي بسيطا ويتمثل في: «إذا كنت تبدو وكأنك دولة، وتتصرف كدولة، فلا أحد في النهاية سوف ينكر أنك دولة». وكان هذا هو التحول المؤسسي الذي جعل البنك الدولي يعلن أن فلسطين على استعداد لإقامة دولة فلسطينية. وكما يقول فياض: «لقد خضعنا للامتحان واجتزناه».

ومع ذلك، اصطدم رئيس الوزراء بعقبة كبيرة تتمثل في الانقسام الفلسطيني والتعنت الإسرائيلي. ولكن أيهما يؤثر عليه بصورة أكبر؟ في الحقيقة، كلاهما له آثار تدميرية، علاوة على أن كليهما يقتات على الآخر، كما أن التردد الأميركي لن يفيد في إيجاد حل لتلك المشكلة.

وتعد حركة فتح، وهي الحركة السياسية الرئيسة في الضفة الغربية، حركة ثورية استنزفت وأنهكت نفسها، علاوة على أنها تتسم بالتحجر والغموض في نفس الوقت، وتفتقر إلى التفويض الشعبي أو الاستراتيجية التي تمكنها من تحقيق حلم إقامة الدولة الفلسطينية، ويترأسها عباس الذي يبلغ من العمر 78 عاما، ولا يملك القدرة التي تمكنه من تبني برنامج سياسي لطرف خارجي مثل فياض، حتى وإن كان هذا البرنامج يحقق النمو والمساءلة والأمن.

ولم يتغلب عباس، المتعلم في موسكو، وفياض، المتعلم في تكساس، على الفجوة الثقافية التي نتجت عن هذا التعليم، ولا سيما أن نهج الإيجابية والقدرة على تحقيق الأهداف لم يدرس في المناهج السوفياتية. ورفض عباس الاستفادة من إنجازات فياض، كما رفض استخدام استقامة وأمانة وأخلاقيات عمل فياض كنموذج يحتذى. وكانت العلاقة بين عباس وفياض تشبه زواج المصالح، كما كان فياض يؤكد أن الوقت الذي كانت تقضيه الحركة في الإعراب عن قلقها مما يقوم به أكثر من الوقت الذي تقضيه في حل المشكلات.

وقال فياض: «هذه الحركة سوف تنهار، وهناك الكثير من خيبة الأمل. لقد خسر الطلبة 35 يوما هذا العام بسبب الإضرابات. إننا مفلسون، ولا يمكن استمرار الوضع الراهن». وقال وهو ينظر في وجهي بقناعة قوية: «في نهاية الأمر لم يكن يهم ما تخبرني به أي قوة أجنبية عن الأشياء التي تتغير نحو الأفضل؛ لأنني أعيش داخل ما يحدث. لقد عانيت في الماضي، وهذا يكفي. ما يحدث كاف لحدوث كارثة، والنظام لا يقوم بأي شيء، والدولة تعاني بشدة. إنهم لن يغيروا أساليبهم، ولذا يتعين علي أن أرحل».

وتأتي بعد ذلك «المشكلة الكبرى»؛ الاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يصبح أقل حدة وصرامة رغم التحول الذي شهده الوضع الأمني. في الواقع، أصبح الوضع الأمني أكثر خطورة نتيجة التوسع الاستيطاني وعمليات هدم المنازل والإخلاء وعمليات التوغل العسكرية، حتى في المناطق التي تخضع للسيطرة الفلسطينية.

المصدر: 
نيويورك تايمز