الجامعة العربية وإجازة “تبادل الأراضي”

بقلم: 

افتتح إعلان الجامعة العربية تعديل “المبادرة العربية للسلام” التي أقرت في مؤتمر القمة في بيروت عام ،2002 وإجازة مبدأ “تبادل أراض” بين “إسرائيل” والفلسطينيين، بازارَ تقديم التبرعات العربية السخية من حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية التي سبق أن اختصرت رسمياً، قبل عقود، بحق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 . ولا يتعلق الأمر هنا فقط بنقائص مسألة تبادل الأراضي التي كانت حاضرة، وبحدود، منذ مفاوضات طابا، في توجهات ورؤى منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وفريقهما التفاوضي، وإنما يتصل كذلك بالأعمدة الأساسية الأخرى للقضية الفلسطينية: حق العودة للاجئين الذين هُجروا من أرضهم العام 1948؛ القدس؛ الترتيبات الأمنية، فضلاً عن رزمة معقّدة من القضايا الفرعية الأخرى .

ولو بدأنا بالفوارق ما بين قبول القيادة الفلسطينية “المبدئي” بتبادل الأراضي، وموافقة الجامعة على هذا المفهوم، فسنقف على هوة واسعة تفصل بينهما . حيث إن الموقف الفلسطيني يربط القبول بالتبادل، أولاً، باعتراف الجانب “الإسرائيلي” بالسيادة الفلسطينية على الأراضي المحتلة كافة منذ العام ،1967 وباعتراف الدولة العبرية بأن هذه العملية (التبادل) شأن من شؤون هذه السيادة وليس على حسابها . أما ثانياً، فإن أقصى نسبة رقمية للتبادل لا يجب أن تتجاوز 2- 3% من الأراضي المتماثلة في القيمة الأمنية والاقتصادية . إذ لا يجوز، على سبيل المثال، مبادلة أراض في القدس وبيت لحم ونابلس ورام الله وسواها بأراض صحراوية في النقب . وعليه، فإن ثمة رفضاً قاطعاً للنسبة التي تطالب بها “إسرائيل” (من 7- 12%) والتي تكّرس عملياً سيطرة الاحتلال على الضفة الغربية وتقطيع أوصالها، وتعريض التواصل الجغرافي ما بين مناطق شرقي النهر كافة، تالياً، لخطر شديد .

أما بخصوص “المكرمة العربية” المتعلقة بإجازة التبادل كسلفة مجانية لا علاقة لها بأي اتفاق يمكن التوصل إليه في المستقبل، والتي تعني، عملياً، الموافقة على بقاء الكتل الاستيطانية بالضفة الغربية، وعلى رسم حدود جديدة، فينبغي التوقف أمام المعطيات الآتية: إن مجرد الموافقة العربية على هذا التنازل دون أي تحديد سياسي لمفهوم “التبادل” يفيد، في ظل الواقع الفلسطيني والعربي السائد، بوجود الاستعداد للمضي قدماً باتجاه تنازلات أخرى تحت ظلال ضعف السلطة الفلسطينية، وتآكل مكامن قوة منظمة التحرير، وتكرّس الانقسام الجغرافي والسياسي ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة . ولعل الخطوة الأولى المتوقعة، في هذا السياق، هي توجّه بعض العرب نحو تطبيع العلاقات الاقتصادية مع “تل أبيب” قبل الاتفاق على العودة إلى طاولة المفاوضات التي يرى كثيرون أنها ليست في متناول اليد راهناً؛ وترجيح استغلال “إسرائيل” لهذا المعطى المستجد واستخدامه، وبدعم من الولايات المتحدة، غطاءً لقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، ولا سيما في منطقة الأغوار، وضم الكتل الاستيطانية في الضفة، وتحويل المناطق التي اقتطعها جدار الفصل العنصري إلى مناطق أمنية “منزوعة” من الأرض الفلسطينية تحت ذريعة “الاحتياجات الأمنية” .

في المقابل، وعلى رغم أن رئيس الوزراء “الإسرائيلي” امتنع عن التعقيب على هذه الانعطافة العربية بهدف ابتزاز المزيد من التنازلات، فإنه لم يخف أمله في تحولها إلى كرة ثلج متدحرجة تأخذ في طريقها ما تبقّى من حقوق فلسطينية، وذلك من خلال الزعم أن الصراع بين “إسرائيل” والفلسطينيين “ليس صراعاً على الأراضي، بل هو على حقيقة وجود “إسرائيل” كدولة يهودية” . وبالتالي، فإن المشكلة، وفق نتنياهو، هي “عدم رغبة الفلسطينيين بدولة “إسرائيل” كدولة قومية للشعب اليهودي”، وعدم رغبتهم كذلك بالوصول إلى اتفاق يمنع “إسرائيل” من أن تكون دولة ثنائية القومية، ويوفر الاستقرار والأمن” . أي، بكلام أدق، يريد نتنياهو من العرب، وقبل التعهد بأي شيء، وقبل العودة إلى طاولة المفاوضات، رفع وتيرة ضغطهم على الفلسطينيين، ليس فقط لإسقاط حق العودة، وإنما لمنح الدولة العبرية الضوء الأخضر لتهجير فلسطينيي 1948 تحت ذريعة “الدولة اليهودية” التي تشكل النقيض الموضوعي للدولة “الثنائية القومية”، وإخراج الكتل الاستيطانية من دائرة التداول مع اقتطاع ما يتيسر من أراضي الضفة الغربية، بما في ذلك مناطق الأغوار، بحجة توفير الأمن والاستقرار، فضلاً عن تحريم التطرق إلى القدس ومستوطناتها المنتفخة باستمرار .

في ضوء ذلك، وعلى قاعدة جنوح النظام العربي الرسمي إلى إفراغ مبادرة السلام العربية من مضمونها الأساسي الذي يربط ما بين إقامة علاقات طبيعية مع الكيان “الإسرائيلي” بالانسحاب الكامل من كل الأراضي العربية المحتلة منذ العام 67 بما فيها القدس الشرقية والموافقة على حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين على أساس القرار ،194 فإن الأكثر ترجيحاً هو ارتفاع منسوب الضغوط السياسية والاقتصادية على الفلسطينيين، ودفعهم باتجاه الحائط المسدود الذي سيطلق عليه مسمى “الدولة” .

المصدر: 
الخليج