غوغل: فلسطين باسمها

بقلم: 

لا شك أنه ينبغي رفع القبعة لـ"غوغل"، محرك البحث العالمي الأشهر، وهذه المرة ليس لأنه الصديق الأوفى لنا جميعاً، الذي يسارع دائماً إلى تلبية طلباتنا، بل لأنه أعلن صداقته لفلسطين، عبر تعديل قد يراه البعض طفيفاً، هو تبديل اسم "الأراضي الفلسطينية"، على صفحة "غوغل" الخاصة بفلسطين، لتتخذ اسمها الذي تستحق: "فلسطين" (google.ps).

الخطوة يعتبرها البعض استجابة متأخرة للإعتراف الأممي بفلسطين كدولة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل حوالى العام. لكن القرار لم يكن ملزماً، وبالتالي يمكن لمحرك البحث الأميركي أن يتجاهل ذلك، على الأقل طالما لم تعترف به الولايات المتحدة.

أن يراه البعض في بلادنا تعديلاً طفيفاً فهذا أمر معتاد، ففلسطين أمر مسلّم به بالنسبة إلينا، لكنها ليست كذلك عند المجتمع الدولي، هذا الذي هو في النهاية خرائط وخطوط طيران وتجارة ومدارس... وكلها تعتمد نظاماً دولياً صارماً.

كان محمود درويش يسخر من عبارة "فلسطين عربية"، حين تهتف بها الجماهير في البلدان العربية، إذ ما الذي كان يضيفه الهتاف إلى هذه الحقيقة التاريخية البسيطة؟ حقيقة أن فلسطين هي بلادنا. لكن لا شك في أن الأمر لم يعد بهذه البساطة، الآن، مع الانخراط المتزايد حتى من قبل دول عربية في الاتفاقات والنظم الدولية. كذلك ليس سهلاً عند شركة أميركية بحجم "غوغل"، أن تبدّل اسم "الأراضي الفلسطينية" إلى "فلسطين". هو قبل كل شيء اعتراف بحقيقة الدولة الفلسطينية، لكن أيضاً بجدوى العمل على أصعدة أخرى، اجتماعية وثقافية وفنية وسواها، وعدم الاستسلام إلى "قدر" السيطرة الإسرائيلية على العالم.

الأجمل في الخطوة أنها تدعم الإحساس بالعدل، فصحيح أن التعديل "الغوغلي" بصورة ما هو ثمرة نضال الفلسطينيين ودأبهم طوال أكثر من ستين عاماً. لكن، في الوقت ذاته، لا يمكن القول إن هناك ضغوطاً على الشركة العملاقة لتأتي خطوتها تلك. على العكس، الضغوط هنا في اتجاه آخر. فسرعان ما واجهت "غوغل" اعتراضاً اسرائيلياً عبّر عنه الناطق باسم الخارجية الاسرائيلية، يغال بالمور، بالقول: "هذه الخطوة تثير تساؤلات حول أسباب هذا التدخل المفاجئ لشركة انترنت خاصة في مثل هذه الأمور السياسية الجدلية".

المهاجرون العرب حول العالم يشعرون بضغط المفاهيم المقلوبة في قضايا العرب عموماً. نعرف جميعاً حجم الدعاية الاسرائيلية التي بلغت حد سرقة رموز تراثية فلسطينية وتقديمها للعالم على أنها من "التراث الاسرائيلي"، لكن من دون أن تبذل الجاليات العربية جهوداً حقيقية تساوي الجهود الاسرائيلية لتغيير الصورة، واستعادة الحق في المفاهيم، وفي أشيائنا البسيطة، التي قد تكون ثوباً فلسطينيا، أو أغنية، أو فرن تنور، أو طريقة في صناعة نكهة ما.

ليس الأمر طفيفاً إلى هذا الحد، إذا تذكرنا كم تغيرت مفاهيم لدى الأجيال الجديدة حتى داخل الأقطار العربية، ربما تكفي نظرة إلى مناهج التدريس لنكتشف أية مفاهيم صارت إليها الأجيال. لنرَ مثلا تلك الأعلام التي تحملها الخرائط وكيف أن الأعلام الاسرائيلية صارت شبه حقيقة ثابتة فيها. إنها خطوة أخرى على الطريق، الطريق الذي نعرف جميعاً أنه، ذات يوم، إلى فلسطين. اليوم جرى تعديل بهذا الحجم. "الأراضي الفلسطينية" صارت فلسطين. وغداً، في انتظار أن تستعيد فلسطين التاريخية اسمها الذي سيمتد على 27.009 كيلومتر مربع.

المصدر: 
المدن