كيف تتلاعب إسرائيل بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط؟

بقلم: 

في 23 نيسان (أبريل) الماضي، أطلق أحد كبار الضباط الإسرائيليين، وهو المسؤول عن الأبحاث في استخبارات الجيش، الجنرال اوتاي برون، اتهاماً خطيراً ضد سوريا، إذ صرّح في محاضرة ألقاها في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إن «أفضل ما نفهمه، من وجهة نظر محترفة، هو أن النظام السوري استخدم أسلحة كيماوية فتّاكة ضد مسلحين، في سلسلة من الأحداث خلال الأشهر القليلة الماضية...»، ولم يوفّر الجنرال أي دليل على اتهامه، ولم يُقدم أي إثبات ملموس، ولكنه أضاف أن الجيش الإسرائيلي يرى أن سوريا استعملت سلاح غاز السارين في مناسبات عدّة، بما في ذلك هجوم محدد في 19 آذار (مارس).

وجاء اتهام الجنرال برون لسوريا خلال زيارة ثلاثة أيام إلى إسرائيل، قام بها وزير الدفاع الأميركي الجديد تشاك هيغل – وهو رجل حاول داعمو إسرائيل في الولايات المتحدة منع تعيينه. وكانت بعض المؤسسات اليهودية تعتبره معادياً للسامية. ولم يتأكد تعيينه إلا عندما قرر التصرّف بتواضع. ومن الواضح الآن أنه يأمل وضع حد لصراعه مع اللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة.

وفي أول زيارة له إلى إسرائيل بصفته وزير دفاع، أعلن أن إسرائيل تنتظر تلقي ترسانة غنية من الأسلحة الأميركية المتقدمة – تشمل خزانات لتزويد الطائرات بالوقود في الجو، وراداراً عالي التقنية، وطائرة «في-22 أوسبري» متطورة من طراز «تيلتروتور»، التي رفضت الولايات المتحدة توفيرها حتى الآن لأي من حلفائها الآخرين. إلا أن المبادرة الكريمة التي صدرت عن هيغل كانت غير مجدية. ومع أن من الواضح أن إسرائيل ابتهجت بحصولها على الأسلحة، لم يمنعها ذلك من اتهام سوريا باستعمال أسلحة كيماوية – ومن الواضح أنها تأمل، من خلال ذلك، تحريض الولايات المتحدة على الهجوم على تلك الدولة.

وتلقّى هيغل مفاجأة غير سارة عندما زعم الجنرال برون أن سوريا استعملت أسلحة كيماوية، وأعلن الوزير الاميركي في اليوم التالي – في 24 نيسان (أبريل) - أنه كان ناقش موضوع الأسلحة النووية السورية مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع موشي يعلون، إلا أن أياً منهما لم يقل إن سوريا استعملت فعلاً أسلحة من هذا النوع. ولعلّ السلطات الإسرائيلية اعتقدت أن هيغل، الذي لا يزال يتعافى من الخسارة التي مناه بها الفريق المؤيد لإسرائيل في واشنطن، لن يجرؤ على نقض التقييم الإسرائيلي.

ما الذي كانت إسرائيل تسعى الى تحقيقه من خلال حض الولايات المتحدة على شنّ هجوم على سوريا؟ من المؤكد أنها تتمنّى أن يتم استبدال الرئيس بشار الأسد بشخصية أكثر مرونةً. ولكن إسرائيل تخشى أيضاً وصول «جبهة النصرة»، وهي فرع عنيف من تنظيم «القاعدة»، إلى السلطة، في حال أطيح ببشار. ومن خلال اتهام سوريا باستعمال الأسلحة الكيماوية، يبدو أن هدف إسرائيل يشكّل حافزاً لتدخل عسكري أميركي مبكر لغايتين، هما الإطاحة ببشار ومنع استبداله بتنظيم «جبهة النصرة».

وتدرك إسرائيل جيداً أن أوباما – الذي سحب القوات الأميركية من العراق ويعتزم القيام بالمثل في أفغانستان بنهاية العام 2014 – هو الأكثر تقاعساً حيال إشراك الجيش الأميركي في حرب أخرى. ولكن من خلال اتهام الأسد باستعمال الأسلحة الكيماوية، كان من الواضح أن إسرائيل تأمل اجتذاب أوباما للمشاركة في الحملة على سوريا، مع العلم بأن أوباما أظهر في الواقع انفتاحه على هذا النوع من الضغوط، عندما قال إن أي استعمال من جانب النظام السوري للأسلحة الكيماوية سيكون بمثابة تخطّ للخطوط الحمر.

وسرعان ما هبّت روسيا للدفاع عن سوريا. وفي 28 نيسان (أبريل)، كتب فيودور لوكيانوف، رئيس تحرير المطبوعة الروسية «غلوبال أفيرز»: «لا تؤمن روسيا باحتمال لجوء الأسد إلى الأسلحة الكيماوية، فهو ليس بالرجل المجنون ليسعى خلف هذا النوع من المشاكل».

والواقع أن اهداف اسرائيل ربما كانت ابعد من مجرد افتعال هجوم أميركي على سوريا. فهي راضية إلى حد كبير في الوقت الحالي، لأن معظم جيرانها العرب يواجهون مشاكل جمّة.

* سوريا غارقة في حرب أهلية حصدت حتى الآن حياة 70 ألف نسمة على الأقل.

* يبدو العراق مقبلاً على اشتباكات كبرى بين السنة والشيعة، بينما يواصل سلوك الطريق الصعب للتعافي من الاحتلال الأميركي الطويل.

* ترزح إيران تحت وطأة عقوبات مؤلمة، لأن الولايات المتحدة تشتبه – بالاستناد إلى أدلة شبه غائبة – بتطويرها أسلحة نووية.

* مصر على قدميها تحت ضغط الانشغال بمشاكلها الاقتصادية الداخلية، ولا مزاج لها بتهديد اتفاقية السلام التي أبرمتها مع إسرائيل.

* تزايد القلق في معظم دول الخليج مما تعتبرها تهديدات ايرانية لأمنها.

* يشعر الإسرائيليون بالسعادة أيضاً لأنه بفضل توسّط الرئيس أوباما، عاد التحالف الأميركي – الإسرائيلي - التركي إلى سابق عهده، ومن المفترض أن يشكل هذا التحالف قوة نافذة في شؤون الشرق الأوسط.

يحمل هذا كله أخباراً جيدة جداً بالنسبة إلى إسرائيل. إلا أن هيمنتها ليست شاملة. وهي لا تزال تواجه نوعاً من التحدي من محور إيران – سوريا – «حزب الله». وحتى لو كانت إيران تواجه عقوبات قاسية، فهي لا تزال بعيدة كل البعد من الهزيمة. وحتى لو كانت سوريا الأسد في ورطة كبيرة، لكنها لا تزال تقاوم، وتواصل تلقّي دعم قوي من روسيا. وصحيح أن «حزب الله» الشيعي النافذ ربما يتعرض لضغوط كبيرة من مجموعات سنية مقاتلة، لكنه لا يزال القوة الأكثر نفوذاً في لبنان.

وفي ظل إدراك المسؤولين الإسرائيليين أن محاولاتهم فشلت – في الوقت الراهن – في الدفع بالولايات المتحدة إلى إطلاق مواجهة مسلحة مع سوريا، فقد بدأوا يتراجعون منذ الآن. وفي نيويورك، نقلت تصريحات عن يوفال ستاينتز، وزير الشؤون الإستراتيجية والاستخباراتية، في 29 نيسان (أبريل)، قال فيها: «لم نطالب الولايات المتحدة يوماً ولم نشجعها على إطلاق عملية عسكرية ضد سوريا». وأضاف أن «أهمّ مشكلة يواجهها جيلنا» تتمثل بإيران، وليس بسوريا.

تُبرز هذه المواقف الجهود التي تقوم بها اسرائيل لتحريض الولايات المتحدة ضد أعداء الدولة العبرية – وكذلك سرعة انسحابها عندما لا تحقق الجهود الخفية التي تبذلها النتائج المأمولة. وتدرك إسرائيل جيداً أن الولايات المتحدة تتردد الآن إلى حد كبير حيال شن هجوم على أي من إيران أو سوريا. وبالتالي، قد تكتفي إسرائيل بمواصلة الضغط الأميركي على هاتين الدولتين – في غياب حرب فعلية. والحقيقة هي أن إسرائيل قد تعتقد فعلاً أن أكبر عدو يهددها اليوم لا يتمثّل لا بإيران ولا بسوريا، إنما بـ «حزب الله» في لبنان، حيث أن هذا الحزب هو الذي حارب إسرائيل وصولاً إلى حالة من اللاحرب واللاسلم عام 2006، ليشكّل حتى يومنا هذا أكثر جيرانها خطورةً.

ومن اللافت أن يكون التدخّل الإسرائيلي المسلح الوحيد حتى الآن في الحرب الأهلية السورية قد حصل يوم السبت، في 27 نيسان (أبريل)، عندما هاجمت اسرائيل موكباً كان في الطريق إلى «حزب الله» في لبنان، انطلاقاً من «مركز الدراسات والبحوث العلمية» في برزة قرب دمشق. ومن الواضح أن إسرائيل تخشى أن يسمح أي استحواذ لـ «حزب الله» على الأسلحة الكيماوية السورية بمنح المجموعة الشيعية اللبنانية حصانة كبيرة ضد الهجمات.

ومن خلال الإصرار على أن الحكومة السورية استعملت أسلحة كيماوية، يبدو أن هدف الجنرال برون قام على إقناع الولايات المتحدة بتدمير النظام السوري وحليفه «حزب الله» في آن. وتتمنى إسرائيل زوال كل القيود التي تعرقل الحرية الخارجة عن المألوف التي تحظى بها منذ وقت طويل بمهاجمة جيرانها متى شاءت، من دون أن تتلقى أي ردّ. ومن وجهة نظر إسرائيلية، وفي حال أمكن إقناع الولايات المتحدة بفعل ذلك مكانها، فسيكون الأمر أفضل بكثير. وإن لم يحصل الأمر هذه المرة، فلا شك أن فرصة جديدة ستتسنّى للقيام بذلك.

المصدر: 
الحياة