كيف أيقظت اسرائيل أوباما كيميائيًا

بقلم: 

 لماذا استفاق الرئيس أوباما فجأة، وبعد سبات عميق، على مخاطر الأسلحة الكيميائية السورية؟

الأصح، في الواقع، أن يُقال أنه أُوقظ، وعنوة أيضا. وهذا لم يتم لاعلى يد حلفائه البريطانيين والفرنسيين، ولا من جانب دوائر الأمم المتحدة التي تناضل منذ أسابيع ومن دون جدوى للحصول على موافقة النظام السوري على التحقيق في خمس هجمات كيمائية وقعت مؤخرا، بل بحفز إسرائيلي.

هذا الحفز جاء على لسان رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية أتاي برون قبل أيام، والذي اتهم فيه لأول مرة النظام السوري بالمسؤولية عن كل الهجمات التي وقعت بالأسلحة الكيمائية مؤخراً.

وهنا طرأ موقفان متناقضان لا يتخيلن أحد أنهما قد يصدرا من قوة عظمى:

الأول، هو إعلان وزير الدفاع الأميركي هافل في تل أبيب بأنه "فوجىء" ببيان برون، ثم ذهب بعد ذلك إلى حد إضفاء الشك على معلومات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، التي تعتمد عليها الأجهزة الأمنية الأميركية اعتماداً شبه كامل في الشرق الأوسط.

لكن، ما أن طار هاغل من أبيب وحط الرحال في أبوظبي بعد القاهرة، حتى قلب موقفه رأساً على عقب: بدلاً من التشكيك بالمعلومات الإسرائيلية، أكدها. وبدلاً من الدعوة إلى التروي، عمد إلى تهديد النظام السوري.

وسرعان ما انتقلت العدوى إلى البيت الأبيض، الذي سارع هو الأخر إلى إرسال مذكرة إلى الكونغرس يتحدث فيها عن معلومات شبه مؤكدة عن استخدام الأسد للاسلحة الكيميائية، ثم لحقه أوباما الذي واصل تحذير الأسد من مغبة "تخطي الخط الأحمر" الكيميائي.

هذا التغيُّر في الموقف الأميركي لايحتاج إلى كبير اجتهاد: فبما أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط كانت ولاتزال سياسة إسرائيلية، وبما أن تل أبيب شعرت بالقلق من أن ما أسماه أتاي برون" إضفاء الشرعية على استخدام الأسلحة الكيميائية" قد يسهّل لاحقاً استخدامه ضدها، فقد انفجرت المواقف المرغدة والمزبدة في واشنطن.

لكن، إلى أي مدى يمكن أن يتطور هذا الموقف الإميركي؟  

الأمر سيكون منوطاً بالدرجة الأولى بالضغوط التي سيمارسها حلفاء إسرائيل في الكونغرس على أوباما. فالشيوخ الجمهوريون، وفي مقدمهم جون ماكين، وبعض الشيوخ الديمقراطيين، انطلقوا من التقارير الإسرائيلية أساساً، ليتهموا أوباما بالتنكر لمواقفه هو نفسه حول كون الأسلحة الكيمائية خطاً أحمر.

 لكن مع ذلك، من المبكر القفز إلى الاستنتاج بأن أوباما سيرضخ بسهولة إلى هذه الضغوط. فقد سبق له أن حدد قبل أربع سنوات هدفاً ثابتاً هو إقفال ملف الحروب الأميركية التي استمرت 12 عاما في العالم الإسلامي (أفغانستان والعراق)، وهو "يناضل" الآن لعدم التورط في سوريا.

بيد أن دخول إسرائيل على الخط وضعه في موقف حرج: إذ بات عليه أن يثبت أنه يقرن أقواله بالأفعال حين يتحدث عن الخطوط الحمر، وإلا فقدت أميركا هيبتها ومصداقيتها. وهذا يصح، أكثر ما يصح، في العلاقة مع إيران، حيث أن تراخي واشنطن في التعاطي مع الملف الكيمائي "الصغير" في سوريا، سيضرب كل استراتيجية أوباما في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني "الكبير".

بيد أن الطريق لايبدو مسدوداً أمام أوباما للإفلات من الضغوط. ففي وسعه الآن (وهذا ماسيفعل على الأرجح) التحرك في الأمم المتحدة للمطالبة بإجراء تحقيق دولي حول الاسلحة الكيمائية. وهذا ما سيعطيه فسحة وقت قد تطول أو تقصر للتفلت من هذه الضغوط. 

وفي هذه الأثناء، سيتعيّن على النظام السوري أن يقرر الآن ماذا كانت ردود الفعل على عملية "جس النبض" التي قام بها، من خلال الاستخدامات المحدودة للأسلحة الكيميائية، ضعيفة إلى درجة تشجعه على المزيد، أو قوية يُفترض أن تردعه.

والكرة في ملعبه الآن، كما في الملعب الإسرائيلي.

المصدر: 
موقع المدن