الفصائل الفلسطينية والتفويض الشعبي
لقد كان للفصائل والحركات النضالية الفلسطينية الدور الطليعي في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأخذت تتسابق ببرامج العمل النضالي والثوري والجهادي، بحماسة الأشداء وبإرادة الفاتحين. كان للسباق معناه، ولمقوماته دعائم، ولبنادقه رجال، فكان لطعم الموت حلاوةً، وللإصابة و المصاب نشوةً، وللمشرد أمل وللسجن حرية للنفس من استحقاقات الوطن.
وكان الهتاف بالروح بالدم نفديكِ يا فلسطين يسري في الأبدان فخراً مع اختلاف ألوان مردديه وقناعاتهم. وكانت رائحة الكاوتشوك تجمع ولا تفرق، وكان للغاز المسيل للدموع بصل يترامى من الشرفات الخضراء والصفراء والحمراء والبيضاء كبياض قلوب المنتفضين.
ما يهمني هو أن هذا السباق الفصائلي كان باتفاق على الهدف وباختلاف على من يتبنى العملية أو الشهيد.
فكانت الأنا الجمعية أكبر من المفرق. بهذه الروح فوّض الشعب الفصائل الفلسطينية ليكونوا لسان حاله، وفي مفهوم التفويض حقوق وواجبات تبرم بين الشعب ومن يمثله «العقد الاجتماعي»، فلماذا اختلت الضوابط والبنود لهذا التعاقد؟
هل كان ما يجمع الفصائل الفلسطينية قبل أوسلو هو الاحتلال إذا كان الجواب نعم؟ فـــــ لأول مرة يذكر الاحتلال فيشكر... هل كانت أوسلو هي السبب في الانقسام؟ الا بؤسا لأوسلوا... هل كانت المقاومة تعاني من التنسيق الأمني فقبحاً للتنسيق الامني... هل تألقت المقاومة بعد الانقسام؟ كل هذه الاسئلة تأتي في اطار ما تسميه الفصائل المتغير التكتيكي في البرامج، ويعاني منها الشعب و يدفع الثمن. ولكن الثابت الوحيد هو استمرار الاحتلال، وجاء الانقسام ليكرسه، وقوضت المقاومة، وأصاب أوسلوا الشلل، وسد المواطن شرفة منزله وعنونها، لا يوجد بصل.
وتفجر التناحر الفصائلي الفئوي البغيض بعيدا كل البعد عن لسان حال الشعب، وأصبحت تلك البنادق التي كانت تخبأ في منازل الثوار، وبيارات الصامدين، وجبال الشامخين، توجه اليوم لصدور الشعب الطيب في شوارع غاب عنها رحماء القلوب، وازدادت مرارة السجن والسجان.
هذا الفشل السياسي تعزيه الفصائل الفلسطينية الى تعنت الاحتلال وإجحافه بحقوقنا، فيُقمع الشعب بذريعة معاداة المقاومة تارة أو مسيرة السلام تارةً أخرى ويعاقب ثلاث مرات من الاحتلال مرة، ومن أصحاب المقاومة مرة ثانية، وممن تبنوا مسيرة السلام مرةً ثالثه.
كيف لنا ان نتفهم مصطلحات التشهير والتحريض والتخوين بين الفصائل تطغى على مصطلحات مواجهة التهويد والتوسع والقمع التي يمارسها الاحتلال، كيف لنا أن نتفهم انشغالنا في تفصيل الوضع الداخلي الفلسطيني و مآلاته من حيث قلة الحيلة السياسية والطفر الاجتماعي والقرف الاقتصادي ولا ننشغل في تفصيل عذابات الاحتلال، لماذا خلطتم الأولويات الوطنيه في ألبابنا لدرجة اختلاط السبب مع المسبب.
قد يقول قائل، بأن الاختلاف بين الفصائل هي سمة من سمات المركبات السياسية، ولكن ما اتعجب له ان الاختلاف الفلسطيني لا يقوم على التنافس في تطوير برامج سياسية واجتماعية واقتصادية مفعلة وفاعلة لخدمة مصالح الشعب، فهذه الفصائل قائمة على معادلة البقاء والاستمرار مستغلة لياقتها في عالم الجمباز والقفز بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية وتختبأ وراء مجموعة من الشعارات المستهلكه والمبتذلة، تلك الفصائل حازت على التفويض الشعبي بشرعيتها الثورية والنضالية في مراحلها الأولى، ولكن بعد تطور النظام السياسي الفلسطيني نحو الدمقرطة وبناء المؤسسات التشريعية أصبح للمواطن حقوقه الأصيلة و المكتسبة التي يحفظها القانون، وأصبحت حرية الرأي والتعبير والتعددية الفكرية والسياسية جزء أصيل من النظام السياسي الفلسطيني.
وعندما أراد الشعب مراجعة بنود التفويض... ياللهول، هنا حدثت الكارثة، فقد صودرت حقوقه في العملية الديمقراطية واستفردت تلك الفصائل بتوجهاتها وسياساتها الفئوية بعيداً عن رأي الجمهور، واتهمته بقلة الوعي والإدراك السياسي للمعادلات الإقليمية والدولية أو بتدني قناعاته الغيبية والإيمانية، فكانت تلك مكافأة الشعب الذي قدم الغالي والنفيس على مذبح حرية الوطن؟
لا شكرا لكم أيتها الفصائل العابثة والقامعة