سلام الشرق الأوسط... محاولة أوباما الثانية

بقلم: 

 

يبدو أوباما مهتماً بالتوسط في موضوع السلام بين العرب والإسرائيليين؛ فما الذي تقوله لنا الخبرة التاريخية عن الفرص المتاحة أمامه لتحقيق النجاح؟

الخبراء الأميركيون الذين اهتموا بدارسة دور أميركا في الصراع العربي- الإسرائيلي طيلة حياتهم المهنية، يتفقون على نقطتين رئيسيتين. الأولى: على رغم فشل العديد من المحاولات الأميركية في حل الصراع؛ فإن الدور الأميركي ما زال عنصراً حيوياً في التقدم نحو ذلك الحل.

الثانية: موقف الرئيس الأميركي، والدور الذي يلعبه، مهمان. حيث يجب على الرئيس أن يؤمن إيماناً حقيقياً بأن حل الصراع يحقق مصالح أميركا الحيوية، كما يجب عليه أن يكون راغباً في لعب دور مباشر في إقناع الطرفين بالتوصل لاتفاق. قبل أوباما اقتنع الرئيسان "كارتر"، و"بوش الأب" بأن الحل يحقق مصالح أميركا الحيوية، ولذلك حققا قدراً من النجاح. فالرئيس كارتر أقنع طرفي الصراع بالتوقيع على المعاهدة المصرية- الإسرائيلية عام 1979؛ وجورج بوش الأب أقنع الأطراف المتمنعة، بما في ذلك سوريا بالمشاركة في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991. على النقيض من ذلك، استنتج الخبراء المهمتون بالسلام في الشرق الأوسط أن الرئيسين كلينتون وبوش الابن قد أخفقا لأنهما لم يعتبرا أن حل الصراع يحقق مصالح أميركا الحيوية، ولذلك لم يكونا راغبين في وضع علاقة أميركا على المحك، من أجل تحريك عملية السلام قدماً.

وإذا نظرنا إلى الأربع سنوات الأولى من رئاسة أوباما، فسندرك بيسر أنه لن يحقق الكثير في هذه القضية. فعندما تولى زمام منصبه في أوائل عام 2009، حاول التدخل للمساعدة في حل الصراع، ولكن تلك المحاولة رفضت بجفاء من قبل نتنياهو مما دعاه للتخلي عنها.

وهكذا لم يتحقق شيء، وتركت عملية السلام معطلة. مع ذلك، وعلى هذه الخلفية، قام الرئيس برحلة خاصة لإسرائيل وفلسطين، وعين كيري وزيراً للخارجية بدلاً من هيلاري، وأسند إليه مهمة إعادة إطلاق عملية السلام المتعطلة. وقد انتهى "كيري" تواً من زيارة للمنطقة، أكد خلالها رغبة بلاده في أحياء المباحثات بشأن المبادرة العربية للسلام المقترحة من قبل العاهل السعودي عام 2002 التي تجاهلتها إدارة بوش الابن عندما قُدمت.

وقد تبنى أوباما هذه المرة مقاربة تقوم على الدبلوماسية الهادئة، وعدم مناقشة تفاصيل محادثاته مع الطرفين علناً. ويعد هذا علامة جيدة أيضاً، لأن إجراء قدر أكبر مما يلزم من المناقشات علناً، كان يؤدي عادة إلى تقويض التقدم في هذه العملية.

من العلامات الجيدة أيضا أن "كيري" يركز اهتمامه على هذه المسألة لرغبته في ترك بصمته الخاصة كوزير للخارجية، من خلال نجاحه في حل مشكلة معقدة. وذلك أمر مفهوم، حيث كان والده دبلوماسياً محترفاً، كما أنه شخصياً طاف حول العالم، ولذلك يعتبر توليه لمنصب وزير الخارجية، حلما كان يشتاق لتحقيقه، وفرصة ذهبية لترك بصمته على التاريخ.

يبقى السؤال المهم في هذا السياق هو: هل سيخطو الرئيس في اللحظة المناسبة، ليضع مهابته الشخصية على المحك ويدفع بجهد السلام قدماً كما فعل "كارتر" وبوش الأب من قبل؟ يعتقد الخبراء أن أوباما يؤمن بأن حل المسألة يحقق مصلحة مهمة للولايات المتحدة؛ ولكنهم ليسوا متأكدين من ذلك بشأن إقدامه على جعلها أولوية مهمة من ضمن أولوياته.

ولو قام أوباما بالتصدي للقضية، باعتبارها تأتي على رأس أولوياته، فإنه سيرتطم على الأرجح بما تنطوي عليه من عقبات، سواء داخل الولايات المتحدة أو في الخارج. ففي الداخل سيتعرض للتحدي من قبل أصدقاء إسرائيل في الكونجرس؛ وفي الخارج سيجد مقاومة في إسرائيل، وفي بعض الدوائر العربية، إذا ما وضع خطة السلام الأميركية على الطاولة. هناك بالطبع عناصر دعم قوية لإسرائيل في الكونجرس الأميركي ستراقب الرئيس بأقصى قدر من اليقظة، تحسباً لاتخاذه قراراً بممارسة ضغط على إسرائيل. ومع ذلك، يبدي الخبراء الذين يعرفون الكونجرس معرفة جيدة للغاية، ويعرفون الجالية اليهودية اقتناعاً بأن الرئيس يمكنه إقناعهما معاً بدعم جهوده إذا قرر الدفاع عن موقفه أمام الشعب الأميركي.

الشهور المقبلة قد تبين ما إذا كان أوباما راغباً حقاً في جعل المسألة على رأس أولوياته، حيث يعتقد الخبراء أنه لم يقرر ذلك بعد. والأشخاص الذين التقوا سراً أوباما يقولون، إنه ملم جيداً بالحقائق الأساسية المتضمنة في القضية، ومن ثم فإن السؤال الحقيقي يجب أن يكون: كيف سيتصرف حيالها؟

والغرض من الزيارة التي قام بها أوباما لإسرائيل وفلسطين، ومن زيارات" المتابعة" التي أجراها "كيري، هو "جس النبض" وإذا ما رأى أوباما أن فترة جس النبض هذه تبشر بوعود كافية، فقد يقرر المضي قدماً في مجهوده الرئيسي.

لقد أُعيد انتخاب أوباما توا لفترة ولاية ثانية، والحكمة التقليدية تقول، إن الرئيس المُعاد انتخابه قد يكون لديه أفضل فرصة لتحقيق نجاح كبير في بداية ولايته الجديد فحسب. وهذا يعني أن أوباما إذا أراد حقاً معالجة هذه القضية على نحو ناجح، فإنه سيحتاج إلى الأرجح للعمل من أجلها خلال العام، أو العامين التاليين على أقصى تقدير. وهو يعني استطراداً أن الشهور القادمة ستكون في غاية الأهمية في رسم ملامح تفكيره في هذا الشأن.

*دبلوماسي أميركي سابق مختص في شؤون الشرق الأوسط