"عدم الاكتمال" الأميركي والإسرائيلي: مسألة سيكولوجية؟

بقلم: 

 

لماذا أوقف الأميركيون الحرب عام 1991 على العراق ولم يسقطوا النظام السياسي هناك، ولم يساعدوا الثورة التي اندلعت في جنوب العراق؟ لماذا احتلت الولايات المتحدة العراق بعد 12 سنة ثم قدمتها الى ايران على طبق من الفضة؟ لماذا لا تسقط النظام السياسي في إيران ولا تتركه في حاله؟ لماذا دعمت مشاريع الديموقراطية والتنمية ثم توقفت؟ لماذا احتلت أفغانستان ثم تركتها في فوضى كما كانت؟ لماذا دخلت الى الصومال ثم انسحبت منها بسرعة؟ لماذا رحبت بالإخوان ثم تخلت عنهم؟ لماذا التزمت بقيام الدولة الفلسطينية ثم نسيت الموضوع؟

 

يردّ بعض المحللين الظاهرة إلى الواقعية الأميركية والإيمان الفلسفي العميق للقادة والمفكرين الأميركيين بالفوضى الخلاقة، وهذا صحيح، ولكن ربما يُردّ ذلك إلى تكوين نفسي عميق لدى الأميركيين، ومثله أيضاً التكوين النفسي اليهودي والإسرائيلي.

 

فلم تكن الولايات المتحدة دولة امبريالية احتلالية، وليست بلداً استعمارياً بالمعنى الذي مارسته تركيا العثمانية وبريطانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى، وحتى عندما احتلت دولاً أخرى فهي تنظر إليها والى شعبها باعتبارها دولة وشعباً مستقلين، أصدقاء او أعداء. ومقولة من ليس معنا فهو ضدنا تفيد أيضاً في جوانبها هذا المعنى، الشعور باستقلالية الآخر، كراهيته أو احترامه حتى وهو عدو مقاتل.

 

الاحتلال والاستعمار لا ينظر الى الآخر عدواً او صديقاً، ولكن باعتباره تابعاً، يتحمل المستعمر تجاهه مسؤولية وإن كان يؤذيه! الولايات المتحدة تريد دولة صديقة وحليفة أو عدوة تحاربها وترى الشعوب أصدقاء أو أعداء، لا تتحمل احتلال شعب آخر، وروايتها تقوم على الشعب الذي ثار وضحى لأجل الاستقلال، وعندما وجدت نفسها قائدة للعالم بعد الحرب العالمية الثانية، بعد عزلة طويلة ومن دون تجربة استعمارية سابقة سلكت وفق ذاكرتها وتجربتها التاريخية والنفسية من دون ايمان بالتجربة الاستعمارية الأوروبية أو التركية العريقة والراسخة لمئات السنين، رأت أوروبا عجوزاً غير مفيدة ولا تعرف شيئاً... ويروى على سبيل النكتة أن مجلس الوزراء اليمني في أيام الإمام ناقش بحيرة ويأس مسائل الفقر والتخلف في البلاد، فاقترح ابن الإمام أن تعلن اليمن الحرب على بريطانيا فتحتلها، وتوفر لليمنيين التحديث والمدارس والطرق والمؤسسات كما فعلت في الدول التي احتلتها! يمكن أن تنتهي النكتة هنا، ولكن الإمام فكر قليلاً، ثم ردّ قائلاً: افرض يا بني أننا انتصرنا على بريطانيا، فماذا نفعل؟!

 

وربما ينطبق هذا على اليهود ودولتهم إسرائيل التي لن تستطيع مواصلة احتلالها لفلسطين، كما لم تحتمل مواصلة احتلال جزء من لبنان، ولن يتحمل اليهود بقاءهم شعباً يحكم شعباً آخر، وفي النهاية سوف تؤول الحال إلى دولة واحدة. فاليهود لم يحكموا من قبل شعباً آخر، وظلوا غالباً جزءاً من دول وأمم يعانون من الاضطهاد والكراهية أو يشكلون نخبة شريكة مع الحكام والقادة السياسيين والاقتصادين، ينتمون إلى حضارتهم وثقافتهم.

 

عندما قامت السلطة الوطنية الفلسطينية كنت أتوقع أن تنشأ دولة أو سلطة فلسطينية برعاية إسرائيلية، وأنها ستكون تابعة لإسرائيل، كما حدث ويحدث عادة في السياق الاستعماري، لماذا لم تعمل إسرائيل لأجل ذلك؟ لماذا لم تعمل على تكوين نخبة وقواعد اجتماعية فلسطينية متحالفة معها وترتبط مصالحها بها؟ لماذا تركت السلطة الفلسطينية تواجه مصيرها بنفسها؟ لماذا ظلت تتعامل مع الفلسطينيين سواء السلطة و «فتح» وحلفائها أو المقاومة على أنهم جميعاً أعداء. المقولة الإسرائيلية المتكررة عن غياب الشريك الفلسطيني تؤشر ربما على العقل الباطن الإسرائيلي الذي لا يرى الآخر سوى عدو يجب محاربته او صديق مستقل قادر بنفسه من دون مساعدة على التحالف والعمل المشترك.

 

الولايات المتحدة قتلت بن لادن باحترام وعاملته كعدو محترم، وإسرائيل احترمت يحيى عياش وقتلته كفارس محترم وعدو ذكي... يستحق القتال! وأظن أن الإسرائيليين أحبوا الملك حسين وخرجوا لاستقباله في حشود هائلة إعجاباً بشخصيته الكاريزمية وليس لأنه حليف سياسي أو لأنهم يشعرون بالامتنان نحوه، فلو كان الأمر كذلك لأظهروا الحفاوة نفسها للقادة السياسيين الحلفاء والداعمين لإسرائيل من الأميركيين والبريطانيين!

 

 

 

المصدر: 
الحياة