قيام الدولة الفلسطينية بين الواقع والآمال

بقلم: 

 

تعلقت الآمال الكبيرة على قيام الدولة الفلسطينية منذ أن تولى الرئيس الامريكي أوباما الرئاسة، إذ أُشبع هذا الموضوع بالخطب والوعود (الملتزمة)، وباتت آلة الإعلام الأمريكية وغيرها تخدم مثل هذا الإدعاء الذي جيرته الدبلوماسية الأمريكية لخلق قناعة لدى العالم العربي عموماً، وعلى وجه الخصوص الشعب الفلسطيني، الذي لم تنقصه المعرفة والدراية بأن السياسة الأمريكية مهما ارتفعت وتيرة حديثها عن حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته بجانب دولة إسرائيل، فسيبقى ذلك من دون رصيد عملي لتنفيذ ما يقال بهذا الخصوص.

ولا يغيب عن البال بأن بعض الأنظمة العربية تساوقت وروجت لمثل هذا الإدعاء، وأوحت بأن الرئيس أوباما سيحقق السلام الحقيقي الذي ينشده الشعب الفلسطيني وشعوب العالم الحر.

فانتهت الفترة الاولى من حكم أوباما، ولم يتحقق ما يذكر باتجاه تحقيق السلام، بل كانت هذه الفترة الزمنية بمراحلها تسجل فشلاً وعدم استقرار أو تناقضاً في مواقف وسياسات الإدارة الأمريكية لكسب ودّ ورضى الحكومات الإسرائيلية المتطرفة.

فعاد الرئيس أوباما زعيماً للبيت الأبيض، فتجددت الآمال من جديد على اعتبار أن الرئيس أوباما سيحقق السلام، كونه سيغادر البيت الأبيض وسيترك وراءه إرثاً سياسياً يفتخر به وحزبه الديمقراطي، مما قد يؤهله للفوز في الانتخابات المقبلة.

كل ذلك والكثير غيره وما يتعلق بالسياسة الأمريكية بشكل عام، وما يتكرر بخصوص الدولة الفلسطينية، خرجت السياسة الأمريكية بنتيجة قيام الرئيس أوباما بزيارة المنطقة..

كان من المتوقع والمأمول برأي بعض المحللين السياسيين ونسبة من الرأي العام بأن حقيبة أوباما الدبلوماسية ربما ستحتوي على خطة سياسية كاملة متكاملة مستوفية كل مقومات وشروط السلام، بإقامة الدولة الفلسطينية (ذات السيادة؟!) فاختصاراً لكل ما جاء به من خطبٍ وتصريحات وكلام عن الدولة الفلسطينية يجد المتتبع لهذه الزيارة الاخيرة وما جاءت به يتوصل لنتيجة مفادها بأنها لم تأت بجديد، بل هو القديم الجديد الذي يفتقر لأي مقومات عملية.

ولكن النتيجة تقول وبلسان فصيح لغته واضحة وتفسير مفرداتها لا يحتاج لعناء، أن تلك الزيارة كانت دعماً وتأييداً لسياسة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، وفي الجهة المقابلة الضغط على الجانب الفلسطيني للعودة للمفاوضات .

أما الجديد الذي يعتبر سابقة في السياسة الأمريكية فجاء على لسان الرئيس أوباما، الذي دعم وأيد فكرة الدولة اليهودية النقية الخالصة وبالتالي يعتبر الإنسان الفلسطيني داخل الخط الأخضر لاجئاً مؤقتاً على أرض وطنه لحين إيجاد حل، وهناك ما يعتبر جديداً كذلك ومفاجئاً، يتحدث أوباما عن أسلوب جديد للمفاوضات، والسؤال هنا أي أسلوب جديد؟! وهل يعني ان هناك أساليب أخرى تؤدي لقبول إسرائيل بالسلام الحقيقي وعلى وجه الخصوص إذا كانت تلك هي السياسة الأمريكية الداعمة المؤدية لإسرائيل بكل سياساتها المعادية للشعب الفلسطيني أولاً وللسلام ثانياً؟!

ولكن إذا حصلت متغيرات إقليمية ودولية ذات شأن فاعل مؤثر يمتلك مقومات وعناصر القوة اللازمة التي بمقدورها فرض واقع سياسي يجبر أمريكا بأن تغير من نهج سياستها الداعمة بشكل مطلق لسياسة إسرائيل التي لا تدرك بأن السلام مع الشعب الفلسطيني والعربي مصلحة إسرائيلية أولاً وآخراً، وكذلك في تلك الحالة يسود الأمن والأمان والسلم والسلام العالمي.

هناك ما يُحدث تراكمات لها تأثير في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي في كل زمان ومكان هو الموقف العربي الموحد والجاد لدعم ومساندة الشعب الفلسطيني على الصعيدين السياسي والمادي، السياسي القوي المخلص وفي كل المحافل السياسية الدولية ذات العلاقة، وبنسج علاقة أكثر جدوى مع الدول والشعوب المحبة للسلام، والمؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني، كل ذلك وغيره يطول شرحه بالإمكان لهذه التراكمات أن تؤدي لتحول نوعي يضم كافة عناصر المعادلة الدولية بشكل عام والإقليمية بشكل خاص، وفي السياق ذاته الذي يعتبر دوماً من أولويات المهام والشروط الأساسية لصمود الشعب الفلسطيني هو عودة وحدته الوطنية متماسكة قوية أكثر من أي وقت مضى في مثل تداعي هذه الظروف بكل ما تحمل من مخاطر ومحاذير تعصف بالقضية الفلسطينية..

فالمطلوب من الجميع قيادة وشعباً العمل لتحقيق المصالحة الوطنية، وإعادة وحدة الوطن اليوم قبل الغد. فبقاء الحال على ما هو عليه يلحق أفدح الأضرار بالقضية والشعب..

سينال الشعب الفلسطيني حريته وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة، ولكن متى وأين وكيف، فذلك مرهون لما سيأتي به الزمن من مفاجآت تجلب معها واقعاً من شأنه أن يفرض الحل العادل للقضية الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني لن يقبل بأقل من قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية مهما طال الزمن.

 

المصدر: 
القدس