جولات كيري: المفاوضات والدور الأردني

بقلم: 

لم يرشح الكثير عن فحوى جولات وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي أخذ على عاتقه السعي لإحياء العملية السياسية والمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، ولا يمكن الاستناد للتصريحات العلنية لمعرفة حقيقة الموقف وما إذا كان هناك أي تقدم أو أي أمل في حصول تقدم في غضون الأشهر القليلة القادمة التي قد تستغرقها جولات كيري المكوكية التي قيل أنها ستستمر ستة شهور. غير أن ما يتناثر هنا وهناك من جزئيات صغيرة يشير إلى أن الولايات المتحدة تعمل على مسارين متوازيين: الأول مسار المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. والثاني، هو مسار بناء منظومة أمنية إقليمية لترتيب أوضاع المنطقة في مرحلة ما بعد "الربيع العربي" لتكون منسجمة مع مصالح واشنطن في المنطقة ولتجنب هزات عنيفة يمكنها أن تغير مسار الثورات العربية إلى غير ما ترغب. وهناك علاقة عضوية بين المسارين أو هكذا يجب أن يكون حتى تكون التأثيرات متبادلة بحيث يؤثر أي مسار على الآخر، ففي حال حصول تقدم في العملية السياسية فهذا من شانه سحب البساط تحت أقدام المحور المعادي للولايات المتحدة وحلفائها، وعندما تستقر الأمور في بلدان "الربيع العربي" لصالح حلفاء واشنطن الجدد، فهذا سيضفي مزيداً من الاعتدال على المنطقة ويكرس المصالح الأميركية.
بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تتحدث عن خطة سرية يحملها جون كيري تقوم على اتخاذ سلسلة من الخطوات التي تعيد بناء الثقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تبدأ بعقد قمة رباعية في الأردن تحضرها فلسطين و الأردن و إسرائيل والولايات المتحدة وتكون مقدمة لإطلاق عملية المفاوضات، وحسب المصادر الإسرائيلية (يديعوت أحرونوت 9-4-2013) يدور الحديث عن بحث لمسألتي الحدود والأمن بما في ذلك تسليم جزء مهم من مناطق(ج) للسلطة الوطنية، ووقف البناء خارج الكتل الاستيطانية الكبرى، وقد لا يتعدى الأمر بعض الإجراءات التي تساهم في تهدئة الموقف على الساحة الفلسطينية تمهيداً لرؤية كيف تستقر الأمور في الساحة العربية. والجدير بالذكر هنا أن الرئيس محمود عباس رفض فكرة الاجتماع الرباعي قبل أن توقف إسرائيل البناء الاستيطاني وتفرج عن الأسرى ، وهذا ربما يفسر الأحاديث المتداولة عن اعتزام إسرائيل الإفراج عن عدد قليل من الأسرى كبادرة "حسن نية" كما جاء في التليفزيون الإسرائيلي. وهذه الخطوة إن تمت بالإضافة إلى وقف البناء الاستيطاني جزئياً قد تعيد الفلسطينيين للمفاوضات لرؤية ما يمكن أن تسفر عنه الجهود الأميركية الحالية.
ومن المهم هنا الانتباه إلى تصريح جون كيري الذي قال فيه: انه اتفق مع الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على دعم التنمية الاقتصادية في الضفة الغربية. إذ قد يتم الاكتفاء بتحسن الأوضاع الاقتصادية نسبياً للفلسطينيين في الضفة الغربية في حال لم تسفر الجهود الأميركية عن إحداث اختراق حقيقي في العملية السياسية التي تعاني الجمود التام منذ سنوات. وربما يكون ذلك هو ما يحصل عليه الفلسطينيون الذين سيكونون مشتتين بين إمارة غزة الحمساوية وتقاسم في الضفة لمدة طويلة مع توسيع في سيطرة السلطة على بعض مناطق (ج).ولا يعرف كيف ستنتهي الأمور في نهاية المساعي الأميركية التي لا يتوقع الفلسطينيون والإسرائيليون أن تسفر عن تقدم حقيقي في ظل وجود حكومة بنيامين نتنياهو والتوليفة الغريبة المكونة لها، وعدم رغبتها في حصول أي تقدم في ملف المفاوضات وجل ما تفكر فيه هو استمرار الوضع القائم مع تحسن معين في وضع ومكانة إسرائيل الدولية.
وفي موازاة اللقاءات أو المفاوضات تعمل الإدارة الأميركية على بناء مجموعة دعم تضم السعودية والأردن وتركيا ودول الخليج ودول شمال إفريقيا لتسند المفاوضات وتقوم ببعض البادرات تجاه إسرائيل، وربما تكون هذه المجموعة هي التي يقصد من خلالها تطوير منظومة الأمن الإقليمي الذي تنشده واشنطن.ومن الملاحظ هنا أن العامل المشترك في المسارين هو الأردن الشقيق الذي من المفروض أن يلعب دوراً مركزياً في المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وفي الترتيبات الإقليمية البعيدة المدى. وهذا الدور الأردني الجديد جاء بعد تطورات مهمة على الساحتين الفلسطينية والعربية. ولا شك أن الاتفاق الفلسطيني-الأردني الذي وقعه الرئيس محمود عباس والملك عبد الله الثاني والذي يصادق على الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في القدس الشرقية، يمنح الأردن شرعية ودوراً أكبر في عملية المفاوضات كشريك وليس كشاهد أو نصير. ويعبر هذا الاتفاق عن تطور العلاقة بين الرئيس ابو مازن والعاهل الأردني الملك عبد الله، بحيث لم تعد هناك شكوك في العلاقة التي باتت مبنية على الثقة والمصلحة المشتركة.كما أن شعور الرئيس أبو مازن بعدم قدرته لوحده على تحمل مسؤولية ضياع القدس التي يأكلها الاستيطان جعله يشارك الملك هذه المسؤولية سعياً في تدعيم موقفه.
والأمر الآخر المهم في تطور الدور الأردني هو تراجع الدور المصري بعد الأزمة التي دخلت فيها مصر في أعقاب الثورة وتولي حركة"الإخوان المسلمين"السلطة فيها، وغياب مصر التي كانت تعلب دوراً محورياً في العملية السياسية والترتيبات الإقليمية والدولية أحدث فراغاً كبيراً لابد من أن يملأه طرف آخر في نفس المحور ، والأردن بسبب موقعه من القضية الفلسطينية من جهة وموقعه من سورية التي تعيش حالة حرب قد تنعكس نتائجها على المنطقة بأسرها من الجهة الأخرى هو المؤهل والمطلوب لهذا الدور.
وفي الواقع هناك أسباب أخرى وان كانت أقل اهمية ترشح الأردن للدور المحوري الجديد منها على سبيل المثال التحديات التي تواجه المملكة على المستوى الداخلي وخاصة حالة عدم الاستقرار التي تريد المعارضة زج البلاد بها تيمناً بثروات "الربيع العربي". ولا شك أن هذا الدور الأردني المهم يلقي على البلاد أعباءً إضافية، ولكنه في نفس الوقت يعزز موقف ومكانة الأردن إقليمياً ودولياً.

المصدر: 
الأيام