في معنى وأبعاد تدويل القضية الفلسطينية

بقلم: 

 

(1)
حصول دولة فلسطين على العضوية المراقبة في الأمم المتحدة، خطوة ذات شأن لاستعادة القضية الوطنية إلى الإطار الدولي القادر وحده - في المرحلة الحالية - على اجتراح حل متوازن لها؛ إنه خطوة مهمة على طريق التدويل، ومن أهم نتائجه المباشرة وعلى المدى القريب تسهيل أو تمكين دولة فلسطين من الانضمام إلى كيانات دولية تقع ضمن منظومة الأمم المتحدة وخارجها، ما يشكل مكاسب صافية للحركة الفلسطينية ويسلحها بروافع مؤثرة تدفع بأوضاعها إلى الأمام.
إن تحقيق هذه المكاسب يتطلب الإقدام على خطوات مدروسة تنطلق من تدرج معيّن لأولويات وطنية ترمي إلى: 1- تأمين أقصى درجات الحماية للشعب الفلسطيني وترابه الوطني، 2- محاصرة سياسية الاحتلال ومحاسبة إسرائيل ومقاضاتها على انتهاكاتها الموصوفة وعزلها دولياً، 3- ترسيخ الشخصية القانونية والمكانة السياسية لدولة فلسطين، 4- تأكيد انتساب منظومتها القانونية والحقوقية إلى المنظومة المعتمدة دولياً.
إن تدرج الأولويات الوطنية من الأهم إلى المهم، كما ينعكس في تصنيف عضوية الكيانات الدولية - بما هي اتفاقيات ومنظمات.. - لا يقلل من قيمة اكتساب عضوية أي منها، فجميعها مهمة، ولا يجحف بحق أي إنجاز يتحقق أو خطوة يتم الإقدام عليها، بقدر ما يضعها في الموقع الذي يعود إليها بمقياس الفائدة والأهمية الوطنية والسياسية. من هنا - وعلى سبيل المثال ـ فإن الإنضمام إلى 17 اتفاقية مختصة بحماية البيئة، أو قانون البحار، أو اتفاقية شيكاغو للطيران المدني، أو اتفاقية النقل البري... على أهمية كل واحدة منها في تعزيز مكانة فلسطين وإبراز التزام دولتها بالمرجعيات القانونية الدولية، لا يرقى من الزاوية السياسية والعملية إلى مستوى الإنضمام إلى اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين.
إن الاتفاقيات والمنظمات الدولية التي يكتسي التوجه إليها قيمة ونتائج سياسية وعملية استثنائية بأهميتها، هي التي تندرج في إطار القانون الدولي، بالتحديد تحت ثلاثة عناوين: 1- القانون الدولي الإنساني (قانون النزاعات المسلحة)، 2- القانون الجنائي الدولي (من ضمن منظومة العدل الدولية وبما هي نظام قضائي دولي)، 3- قانون حقوق الإنسان (القانون الدولي لحقوق الإنسان انطلاقاً من مبدأ عالمية هذه الحقوق).
لماذا هذه الأهمية الاستثنائية؟ - لأن الإتفاقيات والمنظمات الدولية التي ترد ضمن مختلف فروع القانون الدولي، بطبيعتها الاشتباكية المباشرة مع الاحتلال، تقود إلى مجابهة بتجلياته الملموسة على أرض الواقع، كما في المحافل الدولية، وتنال منه.. هذا ما يفسر الذعر الذي يجتاح إسرائيل في المستويات السياسية والأمنية والعسكرية وأوساط المستوطنين، كلما لاح في الأفق إحتمال تفعيل اتفاقيات جنيف لحماية المدنيين، أو محكمة العدل الدولية، أو محكمة الجزاء الدولية.. لأنها تدرك أن هذا الاحتمال سيقترب من التحقق إذا ما قيضّ لدولة فلسطين أن تشغل مكانها في هذه الكيانات الدولية.
ما سبق لا يعني، التقليل من قيمة وأهمية الانضمام إلى الاتفاقيات ونيل عضوية المنظمات التي تقع خارج التبويب المباشر للقانون الدولي بعناوينه الثلاثة آنفة الذكر، سواء ما يتعلق منها بقوانين البيئة، أو قانون البحار.. أو ما يتصل بالكيانات المختصة بالعلاقات الدبلوماسية، وعالم الاقتصاد والمال، والزراعة والصناعة والسياحة، والنقل والمواصلات والاتصالات والبريد، والصحة والعمل، والطاقة الذرية، والملكية الفكرية، والأرصاد الجوية، والشرطة الجنائية إلخ..
إن اكتساب عضوية أي من هذه الكيانات يعزز ـ لا ريب - مركز دولة فلسطين ومكانة مؤسساتها الرسمية والوطنية، ويوطد العلاقات مع مثيلاتها في المجتمع الدولي، ويكرس حضورها في المحافل الخارجية على قدم المساواة مع سائر الدول المستقلة ذات السيادة.. كما أنه يسمح ـ بالتداعي ـ بتوسيع دائرة المشاركة في مزيد من الاتفاقيات الدولية، كما كان الحال ـ مثلاً ـ عندما قادت عضوية فلسطين في منظمة اليونسكو (8/12/2011) إلى انضمامها إلى 8 اتفاقيات تتصل بعمل واختصاص المنظمة الدولية.
(2)
مع الاهتمام المطلوب بالفرص المتاحة لاستثمار ترقية مركز فلسطين في الأمم المتحدة لاكتساب عضوية الكيانات الدولية، يجب أن تُعطى الأولوية إلى تلك المشمولة بأحكام القانون الدولي، من القانون الدولي الإنساني ابتداءً، الذي ترتكز أحكامه على معاهدات عدة يهمنا منها بالدرجة الأولى اتفاقية جنيف الرابعة (1949) المعنية بحماية المدنيين في أوقات الحرب، والتي تنص العديد من قرارات الأمم المتحدة ، كما بيانات المجلس الأوروبي على انطباقها (سريان مفعولها) وتطبيقها على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 67، بما فيها القدس الشرقية.
لا يتطلب الإنضمام إلى هذا الكيان (إتفاقيات جنيف) الذي سبق لفلسطين أن تقدمت بطلب الإنتماء إليه في حزيران 1989، سوى رسالة من رئيس دولة فلسطين إلى نظيره السويسري (باعتبار سويسرا هي الدولة الحاضنة للإتفاق) بطلب الانضمام، لتصبح فلسطين من الدول السامية المتعاقدة، بحث تدخل إتفاقية جنيف الرابعة المرتبطة بحماية المدنيين حيّز التنفيذ فور تقديم صك الإنضمام إليها؛ بيما تدخل الاتفاقيات الأخرى والبروتوكولات الإضافية حيّز التنفيذ بعد ستة أشهر من التاريخ المحدد لتقديم صك الانضمام، ولكن في حال وجود الاحتلال - كما هو وضعنا - تدخل حيّز التنفيذ بشكل فوري.
(3)
تشمل منظومة العدل الدولية 4 مكونات: محكمة العدل الدولية ، محكمة التحكيم الدولية، نظام أو قانون روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية.
محكمة العدل الدولية (محكمة لاهاي) المعنية بحل النزاعات بين الدول ستكون أبوابها موصدة أمامنا في الفترة القادمة، باعتبار عضويتها تفترض الحصول على توصية مسبقة من مجلس الأمن، ما سيجعلها تصطدم بالفيتو الأميركي.
بالمقابل تستطيع دولة فلسطين أن تصبح عضواً في محكمة التحكيم الدولية من خلال إيداع صك انضمام لدى الحكومة الهولندية. هذه المحكمة المختصة بتسهيل التحكيم بين الدول (وكذلك كيانات أخرى) تبقى محدودة الفائدة بالنسبة للقضية الفلسطينية؛ لذلك يمكن اختزال منظومة العدل الدولية بالمحكمة الجنائية الدولية التي أنشئت في 1/7/2002 عندما دخل قانون روما الأساسي الخاص بها حيّز التنفيذ.
بإمكان فلسطين الانضمام إلى قانون «نظام» روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية من خلال أحد طريقين: عبر إعلان دولة فلسطين عن رغبتها للانضمام إلى نظام روما الأساسي، أو عبر إصدار إعلان من دولة فلسطين بقبول اختصاص محكمة الجنايات الدولية (أي ولايتها القضائية) بموجب المادة 12 (3) ذات الصلة(7). ويبدأ نفاذ هذا النظام في اليوم الأول من الشهر بعد 60 يوماً من إيداع صك الإنضمام. أما صك الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، فإنه لا يتم إلا بعد استكمال إجراءات الإنضمام لنظام روما الأساسي.
الآن، وبعد نيل دولة فلسطين العضوية المراقبة في الأمم المتحدة، بات الشرط اللازم لانضمامها إلى نظام روما الأساسي متوفراً، خاصة بعد صدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في 13/3/2013 بشأن مكانة الفلسطينيين، الذي جاء فيه: أنه من الآن وصاعداً سيطلق على السلطة الفلسطينية اسم «دولة فلسطين في جميع المعاملات الرسمية والوثائق، وفي جلسات المنظمة الدولية..» و «.. من الآن سيصبح بإمكان الفلسطينيين تقديم مرشحين لتولي مناصب قضائية للمحاكم الجنائية التي تقام بشكل خاص لمعالجة قضية حساسة».
القانون الجنائي الدولي كما يعبّر عنه في سياقنا المحدد قانون روما الأساسي يوفر أداة - المحكمة الجنائية الدولية - لملاحقة القضايا والأفراد التي تكون الدول غير قادرة أو غير راغبة «كما هو حال إسرائيل» على إتخاذ إجراءات بشأنها. وتمارس المحكمة الجنائية الدولية اختصاصاً على جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية المعرفة بالتحديد في نظام روما الأساسي لتفادي أي غموض أو التباس، كما وجريمة العدوان التي تنص على أن الإحتلال شكل من أشكال العدوان (والتي سيبدأ العمل بها في العام 2017).
وعلى عكس المحاكم الدولية الأخرى، يجوز للمحكمة الجنائية الدولية إتخاذ إجراءات ضد الأفراد، ما يوفر بالتالي إمكانية ملاحقة مسؤولين، ضباط، جنود، مستوطنين.. بتهمة ارتكاب انتهاكات حرب، لا بل يعيد طرح مسألة الاستيطان باعتباره - حسب نظام المحكمة الجنائية الدولية - يحمل هذه الصفة. من هنا خوف إسرائيل من أن تطالها يد العدالة التي ستصبح قادرة، بعد أن تحسنت فرص دولة فلسطين ومواقعها لتحريك روافع القانون بمختلف فروعه.
(4)
يوجد تسع معاهدات دولية أساسية لحقوق الإنسان، تدعي إسرائيل عدم انطباقها على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 67، ومنها: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966)، العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية (1966)، واتفاقية حقوق الطفل (1989). ويستند زعم إسرائيل هذا إلى أن مقاصد معاهدات حقوق الإنسان هي حماية المواطنين من حكوماتهم ذاتها في أوقات السلم، وعلى أساس من ذلك استبعدت الشعب الفلسطيني في مناطق الـ67 من التمتع بالحقوق التي تكفلها تلك المعاهدات.
لقد دحضت فتوى محكمة لاهاي (2004) هذا الإدعاء وأكدت انطباق إتفاقيات وعهود حقوق الإنسان على الأرض الفلسطينية المحتلة، وتكرر ذلك في عدد من قرارات الأمم المتحدة.
إن دولة فلسطين مطالبة بتقديم صك الانضمام إلى منظومة حقوق الانسان الدولية: الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1966) ذات الأهمية البالغة بالنسبة لوضع الضفة الغربية والقدس، والإتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها (1973) التي تستمد أهميتها على ضوء جدار الفصل وممارسات إسرائيل العنصرية، وإتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (1984)،..
إن إنضمام دولة فلسطين إلى إتفاقيات حقوق الإنسان الدولية تسقط زعم إسرائيل بعدم سريانها على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحسم مسألة العلاقة بين القانون الإنساني الدولي (قانون الحرب أو قانون النزاعات المسلحة) وقانون حقوق الإنسان (حماية المواطنين من حكوماتهم في أوقات السلم)، باعتبارهما ينطبقان معاً على الحالة الفلسطينية في المناطق المحتلة؛ وبذلك يتم كشف سياسة الإحتلال العنصرية، الإستيطانية.. وإستنهاض الحالة الدولية في مواجهتها.
من جهة أخرى، فإن لتوقيع دولة فلسطين على بعض اتفاقيات حقوق الإنسان (مثلاً: إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة - السيداو) من شأنه أيضاً أن يحصّن الحالة الداخلية الفلسطينية ويقويها بإزاء مخاطر وإحتمالات ارتداد النظام السياسي الفلسطيني عن نهج الديمقراطية والتعددية وضمان الحريات العامة والخاصة والمساواة بين المواطنين، بما في ذلك المساواة بين المرأة والرجل..
(5)
لم تكن القيادة الفلسطينية لتتوجه إلى الأمم المتحدة بطلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين (2011) ومن ثم المراقبة (2012)، لولا جمود المفاوضات والضغط الخارجي لاستئنافها بنفس الشروط التي تسببت بفشلها وحوّلتها إلى غطاء لبقاء الاحتلال ومواصلة الاستيطان.
ويقود تقرير هذا الواقع إلى طرح السؤال التالي: هل يعبر التوجه إلى الأمم المتحدة عن تبنٍ لإستراتيجية يشكل تدويل القضية الوطنية أحد مرتكزاتها بالتضافر مع المقاومة الشعبية الممتدة. أما أنه مجرد وقفة تعبوية في الوقت الضائع قبل الارتداد إلى المسار السابق، أي إلى مفاوضات غير مستوفية لشروط جدواها، ناهيك عن نجاحها..
إن معاينة أسلوب التعاطي الفلسطيني الرسمي مع ما تفتحه العضوية المراقبة في الأمم المتحدة من آفاق لا يشير إلى حسم الخيار لجهة اعتماد إستراتيجية جديدة تقوم على تجميع عناصر القوة واستعادة المبادرة، لتؤسس على الأرض وفي الفضاء السياسي معاً نسبة قوى تأتي بالاستقلال على أنقاض الاحتلال.
هذا ما يؤشر إليه واقع تردد القيادة الرسمية - إن لم يكن إحجامها - بعد مضي أكثر من ثلاثة شهور على قرار العضوية المراقبة، في فتح الانضمام إلى الاتفاقيات والمنظمات الدولية تحت وطأة الضغط الخارجي (الأميركي خاصة)، وهو ما لا تنفيه القيادة الرسمية، بل تتكلم عنه من موقع أقرب ما يكون إلى التسليم بمفاعيله في اجتماعات اللجنة التنفيذية وغيرها..
ولعل الدراسة التي سبق الاستشهاد بها، الصادرة عن دائرة المفاوضات في م.ت.ف (وهي الدائرة المعنية بتحضير وإدارة ملف مواصلة الهجوم السياسي والدبلوماسي)، تعكس - إلى حد ما - بوضوح الحالة الذهنية السائدة على مستوى مركز القرار الرسمي وطريقة تفكيره.. فماذا تقول هذه الدراسة، وما هو المدلول السياسي لكلامها؟
أنها تعيّن معايير تحديد الأولويات بالنسبة لعضوية الكيانات الدولية كما يلي: «إن تسلسل الدخول والإنضمام للمنظمات الدولية والمواثيق والبروتوكولات وأولوياته جاء (في الدراسة) وفقاً لمعايير، منها: عدم الصدام مع المجتمع الدولي وتعريض مصالح شعبنا العليا للخطر»(ص3).. قبل أن تصل إلى جوهر الموقف بالخلاصة الرئيسية التي تؤكد فيها الدراسة «.. على أن خيارنا يتمثل بإعطاء فرصة للعملية السياسية ضمن سقف زمني محدد وبرعاية دولية ملائمة للتوصل إلى تنفيذ حل الدولتين على حدود 1967»(ص3).
حيال هذا الموقف، وعلى خلفية تجربة تجاوزت عقدين من الزمن، نعلن أننا لسنا من أصحاب الرأي الذي يرهن التقدم على طريق ما يترتب من مكاسب سياسية جرّاء نيل العضوية المراقبة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة بمدى تقدم العملية السياسية (أي المفاوضات)، تعثرها أو انقطاعها.. بل نمثل الموقف الذي يتبنى أسلوب التقدم دونما إبطاء - مع التقيّد بالجوانب الإجرائية واجبة الإتباع - على طريق حصد النتائج السياسية والدبلوماسية والإجرائية العملية الناجمة عن اعتماد العضوية المراقبة.
إن الفارق واضح بين أسلوب تعاطٍ يقوم على توظيف انتقائي لمكسب العضوية المراقبة يستتبعها - سياسياً وعملياً - لمسار عملية تفاوضية ظهّرت وقائع مرحلة بكاملها عدم جدواها، وقطعت بعقم الرهان الحصري على نتائجها.. وأسلوب تعاطٍ آخر يرى في مواصلة الهجوم السياسي والدبلوماسي - ونيل العضوية المراقبة إحدى محطاتها الإنتقالية المهمة ليس إلا - سلاحاً متعدد الأغراض، يبدأ بمواصلة التقدم من أجل تجسيد مقوّمات الدولة بتوسيع دائرة الإعتراف بها دولياً، والاعتراف بالحقوق الوطنية التي ترفع رايتها؛ ويمر بتأمين الحماية الدولية لشعبنا المقيم تحت الإحتلال ولنضالاته المشروعة للتحرر، لتنتهي بفرض العزلة الدولية بشكل متزايد على إسرائيل وتضييق الخناق على إحتلالها واستيطانها، وتعريضها - بهذه الصفة - للمساءلة الدولية، لا بل محاكمتها ومقاضاة مسؤوليها على الانتهاكات التي تقترفها بحق شعب فلسطين.
كما أن المسافة بيّنة يبن أسلوب يرمي إلى توظيف المكسب السياسي المحقق في خدمة الضغط - المشكوك بنتائجه - على إسرائيل للإفراج عن مفاوضات بوهم جدواها هذه المرة؛ وآخر يرمي إلى الضغط على الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية والمجتمع الدولي من أجل تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال واستيطانه ، واختصار مرحلة العذاب وصولاً إلى الخلاص الوطني بشتّى أشكال الاشتباك ووسائله (بما فيها المفاوضات المجدية عندما تنعقد شروطها).
لقد آن الأوان لمغادرة السياسة الرسمية الإنتظارية التي تقف على عتبة المنعطفات والاستحقاقات دون مد اليد لفتح أبوابها للسير في دروبها: باب المصالحة التي تحوّلت إلى محطات في المناسبات للحوار الخاوي؛ باب التجديد الديمقراطي لمنظمة التحرير التي تتواصل عملية تفكيك أوصالها، باب المقاومة الشعبية التي باتت وظيفة الكلام عنها ليس ممارستها، بل إحلالها مكان المقاومة عموماً..؛ وعلى ذات النسق نتابع: لن يكون من المصلحة الوطنية بشيء أن يقود طول الانتظار أمام باب الكيانات الدولية إلى الارتداد للصيغ الراحلة من خلال رباعية دولية تآكل دورها.. أو مفاوضات تدور على نفسها في أرض قاحلة.
إن تدويل القضية الوطنية يعني إعادتها إلى رحاب الشرعية الدولية بمؤسساتها وقراراتها بعد أن صادرت دورها لفترة الرباعية الدولية والمفاوضات الفاشلة بمختلف صيغها (إستكشافية، تقريبية..) التي خرجت من كمّها.
إن العضوية المراقبة في الأمم المتحدة خطوة مهمة على هذا الطريق، وسوف تتضاعف أهميتها بانضمام دولة فلسطين إلى الكيانات الدولية (وبخاصة تلك القائمة على القانون الدولي).. وجميعها روافد ثمينة تصب في مجرى تعزيز قدرة المجتمع الدولي في سعيه لتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وتركيز تلك العوامل التي بتضافرها سوف تفرض العزلة على الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين مازالتا تعترضان سبيل اضطلاع الشرعية الدولية بدورها من خلال تطبيق قراراتها.
انطلاقا من هذا، تضحى مواصلة الهجوم السياسي والدبلوماسي ركيزة رئيسية لإستراتيجية جديدة تكتمل بتوفير مقومات صمود المجتمع الفلسطيني تحت الإحتلال، وفي كل مكان يتعرض فيه لمحاولات ومشاريع التفكيك المجتمعي والتبديد والتهجير المتجدد، وبالمقاومة الشعبية وصولاً إلى العصيان الوطني الشامل في الأراضي المحتلة.. وفي امتدادها الاستراتيجية الدفاعية في القطاع، وحركة اللاجئين في الشتات.
هوامش
(1) إتفاقيات جنيف (1949) كناية عن 4 إتفاقيات و3 بروتوكولات إضافية:
إتفاقية جنيف الأولى: المعنية بتوفير الحماية والرعاية بجرحى ومرضى القوات المسلحة في ميدان المعارك.
إتفاقية جنيف الثانية: المعنية بحماية ورعاية جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار.
إتفاقية جنيف الثالثة: المعنية بمعاملة أسرى الحرب.
إتفاقية جنيف الرابعة: المعنية بحماية المدنيين في أوقات الحرب.
البرتوكول الأول الإضافي (1977): المعني بحماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة.
البروتوكول الثاني الإضافي(1977): المعني بحماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية.
البروتوكول الثالث الإضافي (2005): الذي يضيف شارة جديدة للحماية هي الكريستالة (البلورة) الحمراء، إلى جانب الشارتين المعمول بهما وهما الصليب الأحمر والهلال الأحمر.
(2) إلى جانب قرارات الأمم المتحدة أكدت فتوى محكمة العدل الدولية في لاهاي (9/7/2004) أن إتفاقية جنيف الرابعة واجبة التطبيق في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 67، بما فيها القدس الشرقية، وأن إسرائيل تنتهك أحكاما عدة من الإتفاقية.
من جهة أخرى، أكد مؤتمر الأطراف المتعاقدة السامية في إتفاقية جنيف الرابعة المعني بالتدابير الرامية إلى إنفاذ الإتفاقية على الأرض الفلسطينية (15/7/1999)، والإعلان الذي اعتمده المؤتمر الذي أُعيد عقده في 5/12/2001 إلى ضرورة أن تتابع الأطراف تنفيذ الإعلان.
(3) آخرها بيان المجلس الأوروبي (بروكسيل، في 14/5/2012) حيث ورد ما يلي: «يؤكد الإتحاد الأوروبي أن القانون الدولي الإنساني وبما يشمل إتفاق جنيف الرابع ينطبق على الأرض الفلسطينية المحتلة».
(4) الإجراءات واجبة الإتباع الواردة في هذه الفقرة الخاصة بالإنضمام إلى إتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولاتها الثلاثة، كما والإجراءات المطلوبة للإنضمام إلى الكيانات الدولية الأخرى التي سترد تباعاً في هذه الورقة، تم اقتباسها من الدراسة المقدمة من د. صائب عريقات، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير؛ وقد صدرت هذه الدراسة في مطلع العام 2013 عن دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير باللغتين العربية والإنجليزية بعنوان:
«الإجراءات القانونية واجبة الإتباع لحصول دولة فلسطين على العضوية في المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة والإنضمام للإتفاقيات والبروتوكولات والمعاهدات والمواثيق الدولية».
(5) تقع محكمة العدل الدولية خارج إطار وكالات الأمم المتحدة المتخصصة الـ18، وهي إحدى المكونات الستة لـ«منظومة الأمم المتحدة» التي تضم أيضاً: الجمعية العامة، مجلس الأمن، مجلس الوصاية، الأمانة العامة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة.
(6) تقع محكمة التحكيم الدولية خارج إطار منظومة الأمم المتحدة ووكالاتها المختصة وقد تأسست في العام 1899.
(7) أودعت فلسطين في 22/1/2009 إعلاناً بموجب هذه المادة يقبل بممارسة المحكمة الجنائية الدولية لولايتها القضائية على «الأفعال التي أُرتكبت في الأرض الفلسطينية منذ 1/7/2002».
وقد أصدر مكتب المدعي العام (موكامبو) لدى المحكمة الجنائية الدولية في 3/4/2012 بياناً أوضح فيه أن بإمكان المكتب أن ينظر في المستقبل بهذا الأمر «إذا قامت أجهزة مختصة في الأمم المتحدة أو جمعية الدول الأطراف في نظام روما من بتحديد ما إذا كانت فلسطين مؤهلة لأن تصبح دولة لأغراض الإنضمام إلى «نظام روما الأساسي».
(8) حول الإجراءات القانونية واجبة الإتباع للحصول على عضوية المنظمات الدولية الخ..

*نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين